تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مبررات اختيار قراءة حفص]

ـ[محمد كالو]ــــــــ[21 Dec 2008, 06:14 ص]ـ

وردني عن طريق الإيميل البحث التالي:

[مبررات اختيار قراءة حفص]

شهد القرآن تاريخياً تحوّلاً من النقل الشفوي للمعطى الموحى، والذي كان يؤمّنه الرسول في مقامات تبليغ مختلفة ومن بعده الصحابة حفظاً ونقلاً عنه، إلى النص المدون الذي شكّل في مصحف موحّد سعى عثمان بن عفان إلى غلقه ليكون النسخة الرسمية لكل مصر من أمصار دار الإسلام، فكان الانتقال من الروايات الشفوية إلى حيز المدوّن الذي يضبط إمكانيات القراءة ويضمن الاستقرار باعتبار توجّهه إلى التوحيد. بيد أن المصحف المغلق في السور والآيات لم يضمن التوحيد على مستوى القراءة، فظلّ مفتوحاً على إمكانات قراءة متعددة حاول التراث الإسلامي ربطها بمعطى" أنزل القرآن على سبعة أحرف"، فكان الاختلاف في القراءة سعة ورحمة للمسلمين إذ "اختلف الناس في القراءة كما اختلفوا في الأحكام ورويت الآثار بالاختلاف عن الصحابة والتابعين توسعة ورحمة للمسلمين".اهـ ابن مجاهد، كتاب السبعة في القراءات، تح شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة الطبعة الثانية، 1400هـ، ص2.

ولكن هذا الانتقال من الشفوي إلى المدوّن لم يكن كفيلا بإلغاء السمة الشفوية التي ظلّت جلية في حيز القرآن وقد استوى نصا موحدا ومصحفا مغلقا، إذ أن خصائص الرسم آنذاك لم تستقرّ بعد تنقيطا وخطا، فأشكلت في كثير من الأحيان معالم الرسم في المصحف العثماني، وخرجت من رحم النص المكتوب والمغلق قراءات متعددة تفهم معالم الرسم على أنحاء مختلفة، فكانت القراءة قراءات، باعتبارها علما به يعرف كيفية النطق بالقرآن، ولكنه علم يرتكز على مبدأ الاختيار إذ به يترجح بعض الوجوه المحتملة على بعض، ويكون هذا الترجيح ضمن إطار قراءات قد استقرت رواية عن أئمة في قراءة القرآن، فيكون اختيار قراءة معينة على تواتر يصوغ " مذهبا يذهب إليه إمام من أئمة القراء، مخالفا به غيره في النطق بالقرآن الكريم، مع اتفاق الروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف، أم في نطق هيآتها" (المصدر السابق: 5).

تعدد حينئذ قرّاء القرآن في حيّز مدون لكنه ظل يتحرك في حيّز الرواية الشفوية سماعا عن الأئمة، فاستوى للقراءة علم من علوم القرآن صنف فيه العلماء للإحاطة بزخم القراءات، فوضعوا للقراءة مقاييس وضبطوا معايير قبولها أو ردها بين ماهو موافق لأمر الأولين فأبقي عليه وبين ما هو شاذ فرد على صاحبه، بين ما عليه الجمهور وبين ما كان من قراءات مفردة.

ظلّت جلّ هذه المعايير متأرجحة بين متطلبات المشافهة ومتطلبات التدوين، فالمعيار الأساسي في القراءة هو الإتباع في النقل عن السابقين:" حدثنا العباس بن محمد بن حاتم الدوري قال حدثنا أبو يحيى الحماني قال حدثنا الأعمش عن حبيب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم".اهـ (المصدر السابق، ص2)

فالقراءة سنة متبعة وهو أمر يجذّرها في الشفوي أكثر مما يربطها بالمكتوب الذي تشكل نصا ومن ثم مصحفا، فابن مجاهد الذي كان له دور أساسي في ترسيخ مبدأ التقليد المتوارث وحصر القراءات وفق مبدأ الاختيار في سبع قراءات يؤكد هذه العلاقة القائمة في رحم المصحف بين المدوّن والروايات الشفوية، إذ يجب أن تكون القراءة منقولة بإسناد عن الثقاة من القدامى الذين رووها عن النبي. ومن هنا كان علم القراءة واقعا بين المصحف وزخم المأثور الشفوي المنقول في شبكة يتصل القراء فيها ببعضهم البعض وبالصحابة عبر آلية الإسناد في حلقات مترابطة سماعا من، ورواية عن. فكان مذهب أئمة القراءة أمام زخم الروايات الشفوية هو الاختيار بناء على استحسان قراءة دون أخرى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير