تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[أثر الصيغة الصرفية في توجيه القراءات القرآنية]

ـ[ضيف الله الشمراني]ــــــــ[20 May 2009, 11:39 م]ـ

بقلم الكاتب/إسماعيل عبد الله سلامة

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيدنا محمَّد، خيرِ الخَلق، وخاتم المرسَلين، وعلى آله وصحبه، والتَّابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

وبعد:

الصِّيغ الصَّرفية قوالبُ استنبطها الصَّرفيُّون؛ ليَصبُّوا فيه المادة اللُّغوية التي يُعبِّرون بها عمَّا يجول في أفكارهم من معانٍ محدَّدة، ومن الثابت أنَّ هذه القوالبَ إنَّما تقتصر على بعض أقسام الكلم، كالأسماء والأفعال دونَ غيرها كالحروف.

فقد حدَّد الصَّرفيُّون للأسماء صِيغًا محدَّدة، باعتبار مجرَّدها ومزيدها، فالاسم المجرَّد: إمَّا ثلاثي، أو رباعي، أو خماسي.

فالثلاثي جعلوا له اثنتي عشرة صيغة؛ حيث يكون مفتوحَ الأول، أو مكسورَه، أو مضمومَه؛ ويكون ثانيه ساكنًا، أو مفتوحًا، أو مكسورًا، أو مضمومًا؛ فيكون حاصل ضرب ثلاثةِ أحوال الأُولى في أربعةِ أحوال الثَّاني اثتني عشرة صيغةً، وأمثلتها كالتَّالي:

(فَعْل) كَفَلْس، (فَعَل) كَفَرَس، (فَعِل) كَكَتِف، (فَعُل) كَعَضُد؛ (فِعْل) كحِبْر، (فِعَل) كِعنَب، (فِعِل) كإِبِل، (فِعُل) كَحِبُك، (فُعْل) كَقُفْل، (فُعَل) كصُرَد، (فُعِل) كَدُئِل، (فُعُل) كعُنُق.

وجعلوا للرُّباعي ستَّ صيغ هي: (فَعْلَل) كَجَعْفَر، (فِعْلِل) كزِبْرِج، (فِعْلَل) كدِرْهَم، (فُعْلُل) كبُرْثُن، (فِعَلّ) كَهِزَبْر وقِمَطْر، (فُعْلُل) كَطُحْلُب.

وجعلوا للخُماسي أربعَ صيغ هي: (فَعَلَّل) كسَفَرْجَل، (فَعْلَلِل) كجَحْمَرِش، (فُعَلِّل) كجُزَعْبِل، (فُعْلَلّ) كقُرْطَعْب.

كما وضعوا أيضًا صيغًا محدَّدة للمصدر، واسم الزَّمان واسم المكان، واسم المرَّة، واسم الهيئة، واسم الآلة؛ فوضعوا لاسمي الزَّمان المكان (مَفْعَل) كمَطلَع ومَخرَج، و (مَفْعِل) كَمَنزِل؛ ولاسم المرَّة (فَعْلَة)، ولاسم الهيئة (فِعْلَة)؛ أمَّا المصدر، واسم الآلة فمختلف فيهما، ووضعوا للمشتقات كاسم الفاعل، واسم المفعول، وصيغ المبالغة، والصِّفة المشبَّهة، واسم التَّفضيل - صِيَغًا محدَّدة معروفة.

كذلك وضعوا للأفعال صيغًا محدَّدة باعتبارها مجرَّدة، أو مزيدًا فيها بحرف أو حرفين أو ثلاثة أحرف؛ على أساس أنَّ هذه الأحرفَ الزائدة لواصقُ تدل على معانٍ صرفيَّة مُعيَّنة، تختلف عما يؤدِّيه الفعل المجرَّد [1].

ممَّا تقدَّم يمكننا تعريف الصِّيغة الصَّرفية بأنَّها: "قوالب لمجموعة لا حصر لها من الألفاظ التي تَرِدُ على ألسنة المتكلِّمين العرب"؛ بمعنى: أنَّهم ينطقون الألفاظَ، ولا ينطقون القوالب؛ إذ إنَّ هذه القوالبَ أو الصيغ تُعدُّ سياجًا، وصمامَ أمان لِمَا ينطقه العرب، من حيثُ الصِّحةُ والسَّلامة.

ولا ريبَ أنَّ هناك فرقًا واضحًا بين الصِّيغة الصَّرفيَّة، والميزان الصَّرفي؛ إذ إنَّ الألفاظ المنطوقة قد تُخضعها ظروف القواعد التي تحكم نظامَ تأليف الأصوات، وتجاورها في النطق، إلى مغايرة بِنْية الصِّيغة التي وُضعت لها، تَبعًا لظواهر الإعلال أو الإبدال، أو النَّقل أو الحذف؛ وحينما يخضع اللَّفظ لمغايرة بِنْية الصِّيغة، لا يكون بينهما التَّوازي المتوقَّع من حيثُ عددُ الحروف، ونسق الحركات، فلو أردنا أن تُقابل أصوات اللَّفظة الصَّحيحة بحروف البِنْية، وأصوات حركاتها وسكناتها بحروف وحركات وسكنات البنية - لتوصَّلْنا إلى تصوير هيكل اللَّفظ تصويرًا قد يختلف عن صُورة بِنْية الصيغة.

مثال ذلك:

أنَّ صيغة الأمر من باب (ضَرَب) - أي: فَعَل، يَفْعِل -: هي (اضْرِبْ)، ولكنَّنا إذا أخذنا الفعل (وَقَى)، وهو من أفعال هذا الباب، وأردنا أن نصوغ الأمر منه، لوجدنا أنه (قِ)، فإذا أردنا أن نقابل هذا الحرف الوحيد الباقي من هذا الفعل بنظيره في الصيغة (افْعِل)، لوجدنا أن ما يقف بإزائه من حروف الصيغة هو الحرف (عِ)، وحينئذ نرى أنَّ الصَّيغة الموضوعة للأمر لم يبقَ منها إلاَّ الحرف (عِ) فقط.

مما تقدَّم يتضح أنَّ الصيغة الصَّرفية هي مبنى صرفي، يُمثل القوالب التي يَصبُّ فيها المتكلِّمون المادةَ اللُّغوية؛ ليَدلُّوا بها على معانٍ معينة ومحددة لما يدور بِخَلَدهم، ويجول في أذهانهم وأفكارهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير