تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تصوير ما لاروح فيه مثل الأشجار والشمس والقمر والنجوم و الأنهار والجبال، وما أشبهها هذه جائزة. لكن ما كان ينمو كالنبات فمن العلماء من لم يجزه كمجاهد رحمه الله من التابعين المشهورين قال: كل ما ينمو فإنه لا يجوز أن يصور ولو كان لاروح له، لأنه في الحديث الصحيح أن الله قال: (فليخقوا حبة أو ليخلقوا ذرة أو ليخلقوا شعيرة) ولكن الذي عليه جمهور العلماء أن الذي لا روح فيه لابأس أن يصوره سواء كان مما ينمو كالأشجار أو مما لا ينمو كالشمس والبحار والقمر والأنهار وما أشبهها.

القسم الثالث:

تصوير ما فيه روح لكن بالتلوين والرسم فهذا قد اختلف فيه العلماء: فمنهم من يقول: إنه جائز لما رواه البخاري من حديث زيد بن خالد أظن قال: (إلا رقماً في ثوب) فاستثنى الرقم لأن الرقم لا يماثل ما خلق الله عزوجل إذ إن ماخلق الله عزوجل جسم ملموس، وأما هذا فهو مجرد رقم وتلوين فيجوز لو باليد، ولكن جمهور العلماء على أنه لا يجوز وهو الصحيح أنه لا يجوز التصوير لا بالتمثال ولا بالرقم مادام المصور من الأشياء التي فيها الروح.

ولم يحدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ماحدث في زماننا هذا من الصور الفوتوغرافية وهل تدخل في النهي أو لاتدخل؟

وإذا تأملت وجدت أنها لا تدخل لأن الذي يصور صورة فوتوغرافية لا يصور في الواقع. غاية ما هنالك أنه يلقي هذا الضوء الشديد على جسم أمامه فليتقط صورته في لحظة، والمصور لا بد أن يعالج التصوير ويخطط العين والرأس والأنف والأذن وما أشبه ذلك فلا بد أن يكون منه عمل، أما هذه الصور فإنها في لحظة تلتقطها وكأنها تنقُلُ التي صورها الله لتجعلها في هذا الكارت وهذا القول هو الراجح.

وعلماء العصر مختلفون في هذا: هل يدخل هذا في اللعن والنهي أم لا؟

والصحيح أنه لا يدخل، لأنه لا علاج من المرء فيه فليس بمصور، ولو أنه أراد أن يصور لبقي في هذه الصورة مدة ربع ساعة أو أكثر، ولكن هذا يتم في لحظة.

ونظيره تماماً لو أن الإنسان كتب رسالة إلى أخيه ثم أدخل المكتوب في آلة التصوير وخرجت صورة الرسالة فهل هذا الذي صورها هو الذي رسم الكلمات والحروف؟

لا، وإنما الصورة لما فيها من الضوء العظيم حسب صناعتها طبعت هذا، ولا أحد من الناس يقول: إن هذه الحروف التي انطبعت في هذه الورقة كما عمل من حرك الآلة، ولهذا يصور الإنسان هذا في الظلام، كما يصوره الأعمى أيضاً، فمن تأمل النص، و تأمل الحكمة من ذلك، عرف أن المراد من أراد أن يضاهي خلق الله ويبدع في تصويره وتخطيطه وكأنه خالق، هذا الذي يشمله النهي واللعن. أما هذا فهو التقاط صورة فقط.

ولكن يبقى النظر ماهو الغرض الذي من أجله صُوِرت هذه الصورة.

يعني إذا فهمنا أنها مباحة وأنها لا تكون تصويراً، يبقى أن ننظر فيها كما ننظر في أي مباح من المباحات لأي غرض صنعت؟ أو لأي غرض صورت، لأن المباح يختلف حكمه بحسب ماقُصِد به، ولهذا لو أراد الإنسان أن يسافر في رمضان من أجل أن يفطر قلنا: هذا الفعل حرام عليه مع أن السفر في الأصل مباح حلال. ولو أراد الإنسان أن يشتري بندقية ليقتل بها مسلماً أو يعتدي على مال مسلم قلنا: هذا البيع حرام. مع أن البيع في الأصل مباح.

فينظر إلى هذا التصوير ماذا قُصِد به، قد يقصد الإنسان بهذا التصوير قصداً سيئاً، يصور امرأة ليتمتع بالنظر إليها وهي ليست زوجته، فكلما مر عليه زمن أخرجها من محفظته وجعل ينظر إليها ليتلذذ بذلك وهذا حرام لا إشكال فيه. أو يصور عظماء من الأمراء أو السلاطين أو العلماء من أجل أن يعظمهم، ويعلق صورهم عنده في البيت تعظيماً لهم فهذا أيضاً حرام، أو يصور عباداً قانتين لله عزوجل من أجل أن يجعلهم في بيته تبركاً بهم فهذا أيضاً حرام ولا يجوز، أو يصور للذكرى فهذا أيضاً حرام لأنه إضاعة للوقت وأي فائدة لك من تذكر هذا المصَور حيناً بعد حين.

ومن ذلك أن بعض الناس يموت له الميت، وللميت بطاقة شخصية فيها صورة فيبقيها عنده وهذا لا يجوز، لأن الحاجة إليها قد انتهت، فإذا مات الميت فلا تحتفظ بصورته لأجل أن لا تذهب وتتذكر هذا الميت فيتجدد الحزن وربما تعتقد فيه اعتقاداً باطلاً، اللهم إلا أن يخشى الإنسان أن يحتاج إليها في إثبات معاشات التقاعد عند الدولة أو ما أشبه ذلك، فهذا معذور، أما إذا لم يكن هناك سبب فالواجب إحراقها.

وأما إذا قصد بالتصوير الفوتوغرافي إثبات الشخصية أو إثبات واقعة من الوقائع لغرض صحيح فهذا لا بأس به، مثل أن تندب لجنة لعمل معين ويريدون أن يثبتوا أنهم قاموا بهذا العمل فصوروا عملهم فهذا لا بأس به لأنه لغرض صحيح فيه مصلحة.

وكذلك لو أن إنساناً شهد مشهداً يحب أن الناس يطلّعون عليه استعطافاً واستدراراً لأموالهم كالنظر مثلاً إلى قوم جياع عراة مجروحين من الأعداء وما أشبه ذلك ليعرضهم على الناس ليستعطفهم عليهم هذا أيضاً غرض صحيح لا بأس به.

وخلاصة القول أن التصوير باليد ولو كان بالتلوين والتخطيط حرام على القول الراجح.

وأما التصوير بالآلة الفوتوغرافية فليس بتصوير أصلاً حتى نقول إنه داخل في التحريم، ويجب علينا أن نتأمل أولاً دلالة النص، ثم في الحكم الذي يقتضيه النص، وإذا تأملنا وجدنا أن هذا ليس بتصوير، ولايدخل في النهي ولا في اللعن، ولكن يبقى مباحاً ثم ينظر في الغرض الذي من أجله يُصور، فإن كان غرضاً مباحاً فالتصوير مباح، وإن كان غرضاً محرماً فهو محرم. 418 ـ 422.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير