تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

في ذلك العهد إلا السكوت عن معارضة أولئك المتزلفين المؤيَّدين برعاية أولي الامر وعناية أهل الحَوْل والطَّوْل. فكان المساكين إذا سئلوا عما يحدّث به اولئك الدجالون يخافون من مبادهة العامة بغيرها عندهم أن تقع فتنة عمياء بكماء صماء، ولا سيما إذا كان الحديث موضوعا في فضل الصِّدّيق والفاروق. فكانوا يُضْطَرّون في الجواب إلى اللِّواذ بالمعاريض من القول خوفا من تألب أولئك المتزلفين ومروجيهم من الخاصة، وتألب من ينعق معهم من العامة ورَعَاع الناس، فضاعت بذلك حقائق، وحُفِظَتْ أباطيل. وكان هذا الباطل، أعني حديث حميد عن أبي هريرة، أوفرها حظا من كل عدوٍّ لأهل البيت. اختلقوا في سبيل تأييده أحاديث ترادفه في معناه فركّبوها على أسانيد رفعوا أحدها إلى علي نفسه، ورفعوا الثاني إلى ابن عمه وخريج حوزته عبد الله بن العباس، والثالث إلى وليه وخصيصه جابر بن عبد الله الانصاري، والرابع إلى حفيده ووارث علمه الامام أبي جعفر الباقر. وهذه مكيدة اعتادها خصوم عليّ فاستمرت عليها سيرتهم في مكابرة أهل البيت ونكابة أوليائهم من حيث لا تشعر عامة الناس" (ص132 وما بعدها).

وسآخذ حديثا واحدا من تلك الأحاديث التى أوردها الموسوى هنا لأُرِىَ القراء أننا قد لا نطمئن إلى بعض الأحاديث المنسوبة إلى أبى هريرة، إلا أننا لا نقول فيه ما يقول هو: ذلك أنه يراه مبتدعا كذابا، أما نحن فأبو هريرة عندنا بآلاف من أمثال الموسوى. والحديث المذكور هو حديث الجني الذي ضبطه أبو هريرة متلبسا يسرق من تمرِ صدقةٍ كان موضوعا فى المسجد يحرسه الصحابى الجليل رضى الله عنه، فأمسك به ثلاث مرات، وفى كل مرة يتوسل إليه أن يطلق سراحه لأنه محتاج وذو عيال، واعدا إياه بأنه لن يعود. وفى المرة الثالثة ناشده أن يطلق سراحه لقاء إرشاده إلى آية ذات مقدرة على الحفظ من الأذى عجيبة، إذ أوصاه بقراءة آية الكرسى حين يصبح وحين يمسى، فيحفظه الله بقراءته لها فى أهله وماله، فعنئذ أطلق سراحه. فلما أخبر أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال عليه السلام: صَدَقَك، وهو الكذوب. هذا ملخص الحديث الذى قد يرى فيه البعض أشياء لا يطمئن لها العقل إذا أُخِذ الحديث على ظاهره، إلا أنهم مع هذا لا يتهمون قط أبا هريرة، بل يعزون ذلك لوضاعى الحديث. وقد وجدت إشارة إليه الليلة فى فتوى للشيخ جعفر أحمد الطلحاوى بموقع "إسلام أون لا ين" بتاريخ الخميس 1/ 3 / 2007م فى باب "شرعى- فتاوى مباشرة".

ذلك أنه ليس من المعقول لدى أولئك البعض أن يصر الجنى فى كل مرة على أن يأتى المسجد فى هيئة مادية بحيث يراه أبو هريرة ويمسك به، رغم أن الجن لا يُرَوْن. ألم يقل القرآن المجيد عن الشيطان: "إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا تَرََوْنهم"؟ فكيف يترك الجنى طبيعته التى خلقه الله عليها، معطيا بذلك أبا هريرة الفرصة للقبض عليه وأخذه أسيرا؟ إن هذا عندهم أشبه بلص عقد العزم على سرقة دارة لأحد الأغنياء، وكان يستطيع أن يسطو على تلك الدارة ليلا أثناء غياب أهلها فيأخذ ما لذ وطاب من الطعام والأموال والملابس دون أن يزعجه مزعج، إلا أنه يصر على ألا يفعل هذا إلا فى عز النهار وفى وجود صاحب الدارة الذى لم يكن سوى مدير المباحث ذاته بشحمه ولحمه، ثم لا يكتفى بهذا بل يصر على أن يكون دخوله من الباب الأمامى، والأسرة كلها، وعلى رأسها عائلها كبير رجال المباحث، جالسون يتناولون طعام الغَدَاء فى الردهة. فهل هذا مما يعقله عاقل؟ ثم هل طعام الجن هو طعامنا حتى يقال إن الجنى كان يريد أن يسرق القمح من المسجد؟ وحتى لو قيل إن طعامهم هو نفسه طعام البشر، وهذا غير صحيح، ثم قلنا فوق هذا إن الجنى كان من معاتيه الجن فأتى المسجد فى شكل مرئى محسوس معرضا نفسه للقبض عليه رغم أنه كان يمكنه الإتيان فى هيئة لا تُرَى ولا تُحَسّ، فهل ضاقت الدنيا على الجنى فلم يجد إلا القمح الذى يحرسه أبو هريرة، ذلك الحارس الذى لا يغفل ولا ينام؟ ألا توجد حقول وأهراء تمتلئ عن آخرها بالقمح والشعير وكل الحبوب التى تُطْحَن وتؤكَل؟ فكيف تركها الجنى ولم يفكر إلا فى اقتحام المسجد "عينى عينك" بحيث يراه أبو هريرة ويقبض على تلابيبه ويهدده بأخذه إلى رسول الله كى يتلقى ما يستحقه من عقاب؟ وحتى لو غُضَّ الطَّرْف عن كل الاعتراضات السابقة، فكيف لم يفكر الجنى فى التسلل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير