تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

داخل المسجد من إحدى النوافذ بدلا من الاقتحام من الباب وتقديم نفسه لقمة سائغة للحارس اليقظ الأمين؟ وأخيرا وليس آخرا: هل يعقل أن يدل الشيطان أحدا من البشر على خير، وهو الموكَّل بالشر والإفساد والحث عليه؟ وما الذى جعل الشيطان يَصْدُق فى حديثه إلى أبى هريرة، والصحابى الجليل لن يمكنه التحقق مما قاله إلا بعد أن يكون قد طار من يده ولم يعد فى مستطاعه أن يؤاخذه عندما يكتشف أنه كان قد كذب عليه؟ اللهم إلا إذا قيل إن الشخص الذى أمسك به أبو هريرة كان من شياطين الإنس لا الجن، وهو جائز جدا حسب استعمال القرآن لهذه الكلمة فى قوله تعالى: "شياطين الإنس والجن"، وكما ورد فى الحديث التالى من "صحيح البخارى": "حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا يونس عن حميد بن هلال عن أبي صالح عن أبي سعيد، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مر بين يدي أحدكم شيء وهو يصلي فلْيمنعه. فإنْ أَبَى فلْيمنعه. فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان".

والآن نترك القارئ مع حديث لص الصدقة كما ورد فى البخارى: "قال عثمان بن الهيثم: حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكر الحديث فقال: إذا أويتَ إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي. لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقك، وهو كذوب. ذاك شيطان".

وهناك حديث آخر أورده الموسوى (ص62) للتشنيع أيضا على أبى هريرة، هذا نصه: "تحاجَّت الجنة والنار فقالت النار: أُوثِرْتُ بالمتكبرين والمتجبرين! وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطتهم؟ قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنار: إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي. ولكل واحدة منهما ملؤها. فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول: قَطّ، قَطّ. فهناك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ... الحديث". والكلام فيه على المجاز فيما أفهم ويفهم كل عاقل. وكنا وما زلنا نسمع هذا الحديث وأمثاله فلا تذهب بنا فُهُومنا إلى أنْ سيكون ثَمَّ حِجَاج فعلا بين الجنة والنار. أما قول المؤلف (ص63) تعقيبا على ذلك: "بأي لسان تتحاج النار والجنة؟ وبأي حواسهما أدركتا ما أدركتاه وعرفتا مَنْ دخلهما؟ وأي فضل للمتجبرين والمتكبرين لتفخر بهم النار، وهم يومئذ في أسفل سافلين؟ " فالرد عليه أنهما ستتحدثان بنفس اللسان الذى سوف تجيب به جهنم ربها حين يسألها: "هل امتلأتِ؟ "، فتقول: "هل من مزيد؟ "، وبنفس اللسان الذى سوف تردّ به الجلود على أصحابها من أهل الجحيم يوم القيامة حين تشهد عليهم فيستغربون ذلك منها ويسألونها: "لم شهدتهم علينا؟ "، فترد قائلة: "أنطقَنا الله الذى أنطق كل شىء". كذلك أسند القرآن للنار شهيقا، فكيف لا نسند لها الكلام والمحاججة؟ وفى كتاب الله نراها أيضا تتميز من الغيظ، فكيف لا نقول إنها تحاجّ الجنة، وتحاجّها الجنة؟ يقول تعالى فى كتابه الكريم: "وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ* إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سمعوا لها شهيقا وهى تفور* تكاد تَمَيَّزُ من الغيظ". والموسوى هنا بالخيار: إن شاء قال بالمجاز، وإن شاء قال بالمعنى الحرفى. لكنْ عليه أن يعامل الآيات القرآنية والحديث معاملة واحدة، وإلا فليسكت.

ومثل ذلك أيضا الحديث التالى: "أخرج الشيخان من طريق ابن شهاب عن أبي عبد الله الاغر وأبي سلمة ابن عبد الرحمان عن أبي هريرة مرفوعا قال: ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى الثلث الاخير، يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ "، والكلام فيه على المجاز كما هو واضح لكل ذى بصيرة. وقد سبق أن أوردته فى كتابى: "منكرو المجاز فى القرآن والأسس الفكرية التى يستندون إليها" دليلا على أننا لا يمكننا الاستغناء عن المجاز لسببين على الأقل: الأول أن المجاز عنصر أصيل فى اللغات لا يمكنها أن تَعْرَى عنه أبدا. والثانى أننا لو لم نقل هنا بالمجاز لكان معنى هذا أن الله ينزل ويصعد، وهذا مستحيل عليه سبحانه، فهو خالق الزمان والمكان ولا يمكن أيا منهما أن يشتمل عليه، وإلا كان عز وجل محدودا له أول وآخر، وهو ما لا يناسبه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير