تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سبحانه وتعالى البتة. علاوة على أننا لو قلنا بالمعنى الحرفى لترتب عليه أنه سبحانه لا يصعد أبدا من السماء الدنيا لأن الثلث الاخير من الليل لا ينتهى لحظةً من الأرض، إذ ما إن ينتهى من موضع على الكرة الأرضية إلا ويبدأ فى الموضع الذى يليه ... وهكذا دواليك إلى الأبد، وهو ما لا يقول به أحد من المسلمين، لأنه لا يليق بطبيعة الألوهية جل وعلا. والمعنى لفت أنظار المؤمنين إلى أن للعبادة فى جوف الليل وسكونه والتبكير لصلاة الفجر وضعا متميزا، وأن الاستغفار فى ذلك الوقت أحرى أن يكون خارجا من القلب وأخلق أن يستجاب له. وهذه هى طبيعة اللغة لا انفكاك لها من ذلك، فضلا عن أن النصوص الدينية لا تتوجه إلى الفلاسفة وحدهم بل إلى جميع طوائف البشر من عوامّ ومتعلمين وعلماءَ وفلاسفة. ثم إن التعبير على هذا النحو أقمن أن يكون أقوى تأثيرا ونفوذا إلى القلب، وإلا فلِمَ يقول القرآن الكريم: "وجاء ربك والملَك صَفًّا صَفًّا" مثلا؟ فهل الله يذهب ويجىء؟ أو لماذا يقول سبحانه وتعالى: "ولِِتُصْنَع على عينى"؟ ترى هل لله عين؟ أو لماذا يقول جل جلاله عن المؤمنين يوم الحديبية حين مدوا أيديهم يعاهدون النبى على نصرته وطاعته والوقوف معه مهما تكن الظروف: "يد الله فوق أيديهم"؟ فهل له سبحانه يد؟ أو لماذا يقول عن نفسه جل جلاله: "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام"؟ فهل له جَلَّتْ قدرته وَجْه؟ على الأقل: ليس له عين ويد ووجه على النحو الذى نعرف وتعرف لغاتنا الوجه واليد والعين.

ويقول الموسوى تحت عنوان "نقض سليمان حكم أبيه داود": "أخرج الشيخان بالإسناد إلى أبي هريرة مرفوعا قال: كانت امرأتان معهما ابنهاهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت صاحبتها: إنما دهب بابنك. وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك. فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى. فخرجتا على سليمان بن داود عليه السلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما. فقالت الصغرى: لا تفعل، يرحمك الله. هو ابنها! فقضى به للصغرى. قال أبو هريرة: والله إِنْ سمعتُ بـ"السكين" إلا يومئذ، وما كنا نقول إلا "المدية".‍ في هذا الحديث نظر من وجوه: أحدها أن داود عليه السلام خليفة الله في أرضه، ونبيه المرسل إلى عباده، وقد أمره الله أن يحكم بين الناس بالحق، فقال عز من قائل: "يا داود، إنا جعلناك خليفة في الارض، فاحكم بين الناس بالحق". وقد أثنى عليه في الذكر الحكيم والفرقان العظيم فقال عز من قائل: "واذكر عبدنا داود ذا الأَيْد، إنه أَوّاب* إنا سخَّرنا الجبال معه يسبِّحْنَ بالعَشِيّ والإشراق* والطير محشورة، كُلٌّ له أَوّاب* وشَدَدْنا مُلْكَه وآتيناه الحكمة وفَصْل الخطاب" ... إلى أن قال عز سلطانه: "وإن له عندنا لزُلْفَى وحُسْن مآب". وقال عز وعلا: "ولقد فضّلنا بعض النبيين على بعض، وآتينا داود زَبُورا". فداود ممن فضله الله بزبوره، فهو معصوم من الخطأ، ولا سيما في القضاء والحكم بما أنزل الله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون". وولده سليمان وارث علمه وحكمه، وهو نبي معصوم أيضا، فكيف ينقض حكم أبيه، وهو أعرف الناس بعصمته؟ ولو أن حاكما في هذه الأيام من قضاة الشرع جامعا لشرائط الحكومة الشرعية حكم بين اثنين ترافعا إليه لوجب على سائر حكام الشرع اعتبار حكمه بدون توقف إلا مع العلم بخطئه. والخطأ هنا مأمون لوجوب عصمة الانبياء، فلا يجوز على سليمان، وهو من أنبياء الله أن ينقض حكم أبيه، الذي ارتضاه الله رسولا لعباده وحاكما بينهم لأن نقضه رد على الله تعالى وسوء أدب مع أبيه بل عقوق له. ثانيها أن هذا الحديث صريح بتناقض الحكمين الصادرين من هذين النبيين، وذلك مما يوجب القطع بخطأ أحدهما لو كان الحديث صحيحا. والخطأ ممتنع على الانبياء، ولا سيما في مقام الحكم بما أنزل الله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون". ثالثها: ظاهر هذا الحديث أن داود عليه السلام حكم بالولد للكبرى بدون بينة ولا مستند غير أنها كبرى. وهذا لا يصدر إلا من جاهل بالموازين الشرعية بعيد عن قوانين المحاكمات، تعالى الله وتنزهت أنبياؤه عن ذلك. رابعا أن هذا الحديث صريح في أن سليمان إنما حكم به للصغرى بمجرد إشفاقها عليه من الشق بالسكين، وهذا بمجرده لا يكون ميزانا لحكمه، ولا سيما بعد إقرارها به للكبرى، وبعد حكم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير