تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لرعية الحُمُر. قال ابن عبد ربه: وفي حديث أبي هريرة: لما عزلني عمر عن البحرين قال لي: يا عدو الله وعدو كتابه، سرقت مال الله؟ قال: فقلت: ما أنا عدو الله وعدو كتابه، ولكني عدو من عاداك، وما سرقت مال الله. قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف؟ قال: فقلت: خيل تناتجت، وعطايا تلاحقت، وسهام تتابعت. قال: فقبضها مني. فلما صليت الصبح استغفرت لامير المؤمنين ... الحديث".

وأعتقد أن الأمر ناتج من اختلاف الفهم والاجتهاد بين عمر وأبى هريرة: فأبو هريرة يرى أن من حق الوالى التجارة والاشتغال بتنمية ثروته الشخصية ما دام ذلك من حلال، وعمر يريد من الولاة أن يتجردوا تمام التجرد لخدمة الرعية. ولا أظن أبدا أن أبا هريرة، حاشا لله، قد سرق شيئا من بيت المال كما يزعم الموسوى، وإلا أفكان عمر يكتفى بأخذ ما سرقه ثم يتركه يمضى لحال سبيله؟ ثم لو كان عمر يرى أنه سارق فعلا فلم عاد إليه يطلب منه أن يعمل له واليا مرة ثانية؟ ولو كان أبو هريرة سارقا فلم رفض تلك الولاية متعللا بأن عمر قد أساء إليه؟ وفوق هذا فقد كان عمر يصنع ذلك مع كل صحابى تولى له عملا. هذا هو الرد الصحيح لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ولننظر فى نهاية النص لنسمع تعقيب أبى هريرة على الأمر كله رغم شدته عليه، إذ قال: "فلما صليت الصبح استغفرتُ لامير المؤمنين". بالله عليكم يا أيها القراء، أهذا كلام يصدر من فم سارق؟ غفر الله لك يا أبا هريرة، وغَصَّتْ واختنقت بكراهيتك حلوقٌ وأفئدةٌ غير كريمة! وعلى أية حال لم ترد هذه الرواية فى كتب الأحاديث: لا فى الصحاح منها ولا فى الضعاف. إنما هى من كلام ابن عبد ربه فى "العقد الفريد"، وهو كتاب فى الأدب بالدرجة الأولى لا فى الحديث. كما أن الموسوى لم يجد ما يعضد به تلك الرواية إلا ما ورد فى كتاب "نهج البلاغة" (ص27)، الذى زيفت الشيعة كثيرا مما جاء فيه ونحلته ابن أبى طالب كرم الله وجهه ورضى عنه رضا عظيما كفاء ما خدم الإسلام والمسلمين واحترم إخوانه الصحابة الأطهار ولم يفتر عليهم الأكاذيب مثلما افترى عليهم ناس لا يرعوون، ثم يزعمون أنهم يحبونه ويدافعون عن حقه وحق ذريته.

أما الذى جاء فى كتب الحديث، وتحديدا فى كتاب"الأنوارالكاشفة" للمعلمى، فهو ما رواه محمد بن سيرين من "أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال أَيْ عدو الله وعدو كتابه؟ فقال أبو هريرة: لستُ بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكنْ عدُوّ من عاداهما. فقال: فمن أين هي لك؟ قال: خيل نتجت، وغَلّة رقيقة، وأعطية تتابعت عليَّ. فنظروا فوجدوه كما قال. فلما كان بعد ذلك دعاه عمر ليستعمله فأبى أن يعمل له، فقال له: تكره العمل وقد طلبه من كان خيرا منك: طلبه يوسف عليه السلام؟ فقال: إن يوسف نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة ابن أميمة، وأخشى ثلاثا واثنتين. فقال عمر: فهلا قلت: خمسة؟ قال: أخشى أن أقول بغير علم وأقضي بغير حلم، أو يُضْرَب ظهري ويُنْتَزَع مالي ويُشْتم عِرْضي". فليس ها هنا اتهام بالسرقة ولا ضرب ولا شىء من ذلك الكلام الذى يغرم به الموسوى وأمثاله ما دام يشوه صورة صحابى من صحابة رسول الله. كذلك يقول الحديث إن الصحابة قد فحصوا ما أحضره معه أبو هريرة من مال فوجدوه كما قال من أنها ثمرة عمله وأنه لم يأخذها من مال المسلمين، فضلا عن أن عمر قد عرض عليه الولاية ثانية كما سبق القول فرفض رضى الله عنه. فتَبًّا لكارهى أصحاب رسول الله الشامتين فيهم المسارعين لتصديق كل ما يلطخ سمعتهم دون تمحيص أو تحقيق.

ومما قاله الموسوى فى صحابينا الكريم (ص28): "أخلص أبو هريرة لآل أبي العاص وسائر بني أمية على عهد عثمان واتصل بمروان وتزلف إلى آل أبي معيط، فكان له بسبب ذلك شأن، ولا سيما بعد يوم الدار إذ حوصر عثمان فكان أبو هريرة معه. وبهذا نال نضارة بعد الذبول، ونباهة بعد الخمول. سنحت له في تلك الفتنة فرصة الانضواء إلى الدار فأسدى بها إلى آل أبي العاص وغيرهم من الأمويين يدًا كان لها أثرها عندهم وعند أعوانهم ومقوية سلطانهم، فنَضَوْا عنه دثار الخمول وأشادوا بذكره. على أنه لم يَخْفَ عليهم كونه ما استسلم إلى الحصار ولا دخل الدار إلا بعد أن كف الخليفة أيدي أوليائه عن القتال وأمرهم بالسكينة كما قال بعض معاصريه في رثائه! فكف

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير