تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يديه ثم أغلق بابه وأيقن أن الله ليس بغافل، وقال لأهل الدار: لا تقتلوهم. عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل. وانما فعل ذلك احتياطا على نفسه واحتفاظا بأصحابه. وكان أبو هريرة على علم بأن الثائرين لا يطلبون إلا عثمان ومروان، وهذا ما شجعه على أن يكون في المحصورين. ومهما يكن فقد اختلس الرجل هذه الفرصة فربحت صفقته وراجت سلعته، وأكبَّ بعدها بنو أمية وأولياؤهم على السماع منه، فلم يألوا جهدا في نشر حديثه والاحتجاج به، وكان ينزل فيه على ما يرغبون. وكان مما حدثهم به عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لكل نبي خليلا من أمته، وإن خليلي عثمان. وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: عثمان حِبِّي تستحي منه الملائكة. ورووا عنه مرفوعا: لكل نبي رفيق في الجنة، ورفيقي فيها عثمان. ورووا عنه مرفوعا أيضا: أتاني جبرئيل فقال لي: إن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقيّة ... الحديث".

وهو كلام كله تنطع وسخف، وإلا فهل ينظر أحد إلى وقوف أبى هريرة مع عثمان رضى الله عنه فى ذلك الموقف العصيب هذه النظرة إلا أن يكون حقودا لا يعمل عقله ولا ضميره أبدا فى وزن أقدار الرجال؟ وهل أخذ أبو هريرة على الله عهدا ألا يصيبه أذى، بله أن يُقْتَل، فى هذا الحصار المجنون الذى لم يكن أحد فى وسط تلك العواصف والزعازع يعرف إلام ينتهى ولا كيف؟ وعثمان، ماذا فى أن يثنى عليه سيد الخلق؟ وإذا لم يكن حقيقا بثنائه فلم يا ترى زوجه ابنتيه، وقال له بعد موت الأخيرة: لو كانت لنا ثالثة لزوجناك؟ وما الفرق بينه وبين على، كرم الله وجهه، فى إصهاره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لقد نال كلاهما الشرف من ذلك الإصهار، فلماذا نفرد عليا بذلك ونحرم عثمان، وعثمان لم يتزوج واحدة من بنات رسول الله بل اثنتين، ولو كانت للرسول بعد موت الثانية بنت أخرى لزوجه إياها؟ هل يتصور الشيعة أنه مما يزيد قدر علىٍّ كرامة وشرفا أن نقلل من مكانة الصحابة الباقين؟ بالعكس فأقدار العظماء إنما تزداد عظمة بوجوده وسط نظراء له لا بين صغار لا ترتفع قاماتهم إلا لأشبار. وعظمة على، وكذلك عظمة الخلفاء الراشدين الآخرين وسائر الصحابة الكبار، هى فى ارتفاع هامة كل منهم وسط هامات أولئك الآخرين. أما قول المؤلف عقب هذا: "خَفَتَ صوت أبي هريرة على عهد أمير المؤمنين، واحتبى برد الخمول، وكاد إن يرجع إلى سيرته الاولى حيث كان هَيّان بن بَيّان، وصلعمة بن قلعمة. قعد عن نصرة أمير المؤمنين فلم ينضو إلى لوائه، بل كان وجهه ونصيحته إلى أعدائه" فلنا عليه سؤال: ما دام أبو هريرة من الدهاء ومعرفة الغيب قبل وقوعه بحيث قد اتخذ لكل حال لَبُوسها وتحسَّب لبلوغ الأمويين سُدّة الحكم، وهو ما لم يكن يخطر لأحد آنذاك على بال، فكيف فاته أن يعمل حساب وصول علىٍّ لمنصب الخلافة، وهو الأمر الذى كان لا بد أن يكون بعدما خلت الساحة ممن يمكن أن يتولَّوْها قبله؟

كما اتهمه (ص30) بأنه "ربما حرف الكلم عن مواضعه كما فعل في الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله: ستكون بعدي فتنة واختلاف. قالوا: فما تأمرنا عند ذلك يارسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله، وقد أشار إلى عليّ: عليكم بالامير وأصحابه. لكن أبا هريرة آثر التزلف إلى آل أبي العاص وآل معيط وآل أبي سفيان فروى لهم ان النبي صلى الله عليه وآله أشار في هذا الحديث إلى عثمان. وقد حفظوا له هذا الصنع". والموسوى هنا لا يعترف إلا بأحاديث الشيعة ومن يجرى فى ركابهم، وهى حجة لا تلزم من يخالفونهم. ولو ثبت أن ما نُسِب لأبى هريرة فى هذا الشأن غير صحيح، فلماذا نَحْمِل خطأه عليه هو من دون باقى الرواة؟ وأين الدليل على ذلك؟ ثم هل يعقل أن النبى لم يكن يرى فيمن حوله من الصحابة الكرام العظام أحدا يستحق ثناءه إلا عليًّا على رغم إجلالنا وإكبارنا واحترامنا الكبير لأبى الحسنين؟ ألا إن عليا لجدير بكل ثناء، ولكنه ليس وحده الجدير بالثناء، بل مثله فى ذلك عثمان وعمر وأبو بكر. وأنا من الذين لا يَرَوْن أن نفاضل بين الأربعة، بل نقول فقط إنهم جميعا فضلاء نبلاء، تاركين تلك المفاضلة لربهم سبحانه وتعالى، فكلهم خدم الإسلام بكل قواه لم يأل فى ذلك شيئا، وكلهم اجتهد فى ذلك إلى أبعد مدى، وكلهم من ثم على العين والرأس وفى حبات القلوب. ومع هذا فلو قُدِّر لعلىّ، كرم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير