تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويمضى الموسوى فيقول (ص32 - 33): "أرسله معاوية (أى أرسل معاويةُ أبا هريرة) مع النعمان بن بشير، وكانا عنده في الشام، إلى علي عليه السلام يسألانه أن يدفع قتلة عثمان إلى معاوية ليَقِيدهم بعثمان. وقد أراد معاوية بهذا أن يرجعا من عند علي إلى الشام وهما لمعاوية عاذران ولعلي لائمان، علما من معاوية أن عليا لا يدفع قتلة عثمان إليه، فأراد أن يكون النعمان وأبو هريرة شاهدين له عند أهل الشام بذلك، وأن يظهرا للناس عذر معاوية في قتال علي. فقال لهما: ائتيا عليا فانشدناه الله لمّا دفع إلينا قتلة عثمان، فإنه قد آواهم، ثم لا حرب بيننا وبينه. فأن ابى فكونوا شهداء الله عليه، وأقبلا على الناس فأعلماهم بذلك. فأتيا عليا فدخلا عليه، فقال له أبو هريرة: يا أبا الحسن، إن الله قد جعل لك في الإسلام فضلا وشرفا، فأنت ابن عم محمد رسول الله صلى الله عليه وآله. وقد بعثَنا اليك ابنُ عمك يسألك أمرا تسكن به هذه الحرب، ويصلح الله به ذات البين: أن تدفع إليه قتلة ابن عمه عثمان فيقتلهم به، ويجمع الله تعالى أمرك وأمره ويصلح بينكم، وتسلم هذه الأمة من الفتنة والفرقة. ثم تكلم النعمان بنحو من هذا. فقال لهما: دعا الكلام في هذا. حدثني عنك يا نعمان، هل أنت أهدى قومك سبيلا؟ يعني الأنصار. قال: لا. قال فكلّ قومك قد اتبعني إلا شُذّاذا منهم: ثلاثة أو أربعة، أفتكون أنت من الشذاذ؟ قال النعمان: أصلحك الله! إنما جئت لأكون معك وألزمك. وقد كان معاوية سألني أن أؤدي هذا الكلام. ورجوت أن لي موقفا أجتمع فيه معك، وطمعت أن يجري الله تعالى بينكما صلحا. فإذا كان رأيك غير ذلك فأنا ملازمك وكائن معك. قال حَفَظَةُ الآثار: أما أبو هريرة فلم يكلمه أمير المؤمنين، فانصرف إلى الشام فأخبر معاوية بالخبر، فأمره معاوية أن يعلم الناس، ففعل ذلك وعمل اعمالا ترضى معاوية. وأقام النعمان بعده عند علي ثم خرج فارًّا إلى الشام فأخبر أهلها بما لقي ... إلى آخر ما كان من هذه الواقعة. وحين جد الجد، وحمى وطيس الحرب ورد على أبي هريرة من الهول ما هزم فؤاده وزلزل أقدامه. وكان في أول تلك الفتنة لا يشك بأن العاقبة ستكون لعلي، فضرب الارض بذقنه قابعا في زوايا الخمول يثبط الناس عن نصرة أمير المؤمنين بما يحدثهم به سرا. وكان مما قاله يومئذ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به ... إلخ".

وبعيدا عن مدى مصداقية هذا الكلام أو كذبه أود أن أعلن منذ البداية أننى لو كنت حاضرا ذلك الخلاف بين على ومعاوية لاتخذت جانب على بلا أدنى تردد. لكن هل من حقى أنا العبد الضعيف أن أُخْرِج من الإيمان من كان له موقف معاكس لموقفى؟ لا ليس من حقى ولا من حق أحد، بل هو من حق الله وحده، وبخاصة أن الأمر إنما هو أمر خلاف سياسى، على عكس ما يريد الشيعة أن يجرّوا القضية إليه إذ يجعلونها أمر إيمان، فمن لم يؤمن بحق على وذريته من بعده فى الخلافة إلى يوم الدين فهو غير مؤمن. وهو ما لا نوافقهم عليه أبدا رغم ميلنا ناحية على ورؤيتنا أنه أفضل من معاوية. إلا أن الأحداث قد أثبتت أنه، كرم الله وجهه، لم يحاول المرونة فى مواجهة الأحداث وتقديم الأَوْلَى فالأَوْلَى حسب ظروفه وإمكاناته، فضلا عن أنه قد فاته، فيما يبدو، أن الانتصار السياسى لا يتم فقط بالشجاعة وإيمان الشخص بأن معه الحق، بل لا بد من التخطيط والدهاء وتأليف القلوب النافرة والحرص على عدم خسران الناصرين بكل سبيل مستطاعة، وهو ما لا يتعارض بالضرورة مع استقامة الخلق والضمير ونبل الغاية، فلقد كان الرسول أنبل من علىٍّ وأحرص منه على سلامة الهدف ونظافة الطريق، ولم يمنعه هذا من استخدام الدهاء واستغلال السوانح وإنفاق المال فى كسب الأعداء إلى صفه أو تحييدهم على الأقل، وإن كان هذا لا ينال شَرْوَى نَقِير من أخلاق علىٍّ السامقة وإيمانه المكين وعلمه الغزير وفروسيته النبيلة. على أن معاوية لم يكن بالخِلْو من المحاسن والمزايا، بَيْدَ أن كِفّة على ترجح كفة معاوية عندى بكل يقين. كما كان للقَدَر كلمته الفاصلة الحاسمة فى مصير ختن رسول الله، وإلا فلماذا لم يُقْتَل فى مؤامرة الخوارج للتحلص من الثلاثة الكبار فى هذه الخصومة إلا علىٌّ دون عمرو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير