تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكان أبو هريرة يقول فى شكر النعمة التى أولاه الله عز وجل إياها وانتشله بها من غمار الفقر والحاجة كلاما يدل على أنه إنسان كبير القلب والعقل لا ينسى فقره الماضى، بل يذكره ويذكر معه ما أكره الله به ويشكره عليه ويشعر بالنعمة تغمر قلبه وتُلْهِج لسانه وتفعم حياته بالفرحة المؤمنة. جاء على لسان أحد المحدّثين: "كنت أسير في الليل، فإذا رجل يكبّر، فلحقته فإذا هو أبو هريرة، فقلت: ماهذا؟ قال: أشكر الله على أن كنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني، فكنت إذا ركبوا سقت بهم، وإذا نزلوا خدمتهم. والآن تزوجتها، فأنا الآن أركب، فإذا نزلتُ خدمتني". قال: "وكانت إذا أتيتُ على نحو من مكانها قالت لى: لا أريم حتى تجعل لي عصيدة. فها أنا ذا إذ أتيت على نحو من مكانها قلت لها: لا أريم حتى تجعلي لي عصيدة. وكان كثيرا ما يقول وهو أمير المدينة: نشأت يتيما، وهاجرت مسكينا، وكنت أجيرا لبسرة بن غزوان بطعام بطني، وعُقْبة رجلي. قال: فكانت تكلفني أن أركب قائما، وأورد حافيا. فلما كان بعد ذلك زوجنيها الله فكلفتها أن تركب قائمة وأن تورد حافية! وصلى بالناس يوما فلما سلم رفع صوته فقال: الحمد لله الذي جعل الدين قواما، وجعل أبا هريرة اماما، بعد أن كان اجيرا لابنة غزوان على شبع بطنه وحمولة رجله".

إن أبا هريرة بكلامه هذا إنما يضع نُصْبَ عينيه قوله عز وجل: "لئن شكرتم لأزيدنَّكم". ألا لعنة الله على الحاقدين الذى يفترون الكذب على المؤمنين! ترى لو كان الأمويون هم الذين انتشلوه مما كان فيه من فقر وضعة وزوجوه ابنة غزوان وهم يَرَوْنَه غير أهل للاقتران بها كما يقول الموسوى، أستغفر الله، أكان يستطيع أن يقول هذا الذى قال عن زواجه بها بعدما كان يخدمها أجيرا عندها؟ لقد كان الأمويون أحرياء أن ينكّلوا به ويعيدوه سيرته الأولى أَنْ عَمِىَ عن أصله وتجاوز حدوده. بل أكانت ابنة غزوان تسكت على تطاوله هذا دون أن تطلب منه الطلاق أو تأمره بالسكوت وتهينه؟ لكن ابنة غزوان لم تفعل لا هى ولا أهلها شيئا من ذلك، فلِمَ تتدخل أنت فيما لا تعنيك يا موسوى؟ لقد زوج النبى عليه الصلاة والسلام غلامه زيدا من ابنة عمته، التى لم تكن تريد هى ولا أهلها هذا الزواج فظلت تضايق زيدا حتى طلقها، ومع ذلك لم يفكر أحد من المسلمين من النيل من زيد، فلِمَ تظن نفسك قادرا على التحقير من أبى هريرة بكل هذا الشنع والانحطاط الذى لا يليق بأى رجل عنده شىء من الكرامة؟ ألا إن ما تصنعه وتقوله لهو العُبِّيَّة الجاهلية التى حذرنا الرسول منها صلى الله عليه وسلم. أم تراك لا تبالى بالقيم العظيمة التى جاء بها الرسول العربى ولا تحترمها؟ وأخيرا هل هناك عاقل يصدق ما يورده الموسوى من روايات تقول مثلا إن أبا هريرة "قام مرة على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو أمير المدينة، فقال: الحمد لله الذي أطعمني الخمير، وألبسني الحرير، وزوجني بنت غزوان بعدما كنت أجيرا لها بطعام بطني، فأرحلتني فأرحلتها كما أرحلتني" (ص40)؟ ألم يكن لأبى هريرة وأهل المدينة من شغل يشغلهم عن قصة زواجه من بنت غزوان؟ وهل مثل ذلك الموضوع مما يتدواله الخطباء على المنابر؟ بل هل يعقل أن يجعل أبو هريرة أسرار بيته مضغة فى الأفواه أو نغمة تتردد فى جميع الآذان؟

وفى ص44 يصل بالموسوى الحمق والضلال والعته والحقد معا إلى القول بـ"أن مروان لما أراد أن يُجْلِب على بني هاشم بخيله ورَجِله ليمنعهم من دفن الامام أبي محمد الحسن المجتبى عند جده رسول الله صلى الله عليه وآله أوعز إلى أبي هريرة، من تدجيله، أن يعارضه ويغلظ له القول في ذلك علانية، تمويها على العامة وسواد الناس بأن له منزلة الصديقين لا تأخذه في الله ورسوله سطوة، ولا تمنعه عن الانتصار لهما قوة. وحين قام أبو هريرة بهذه المعارضة أظهر مروان الغضب منه، فكان بينهما صخب رياء وغيظ تصنع اشتد أبو هريرة فيهما احتجاجا على مروان بمنزلته من رسول الله صلى الله عليه وآله التي لم تكن لخاصة أصحابه وذويه، وبوَعْيه عنه صلى الله عليه وآله وحِفْظه الذي فاق به السابقين الأولين كعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وأمثالهم، واسترسل في خصائصه التي توجب له أسمى منازل المقربين، فانتهت الخصومة بينهما ببخوع مروان لمنزلة أبي هريرة في الاسلام ومكانته في العلم بالسنن، يرائى الناس ببخوعه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير