وعمل المعد لهذه الرواية يكاد ينحصر في كتابة هذه المقدمة، وفي ترجمة الراوي، وفي جمع المادة من راويها، واختيار العنوانات، وإعادة الصياغة، والإشراف على الطبع والتصحيح. أما مادة الرواية ومضمونها فهي مأخوذة من راويها الشيخ محمد الموسى إما مشافهة، أو إملاء، أو كتابة.
والحقيقة أن الذي يكتب عن سماحة الإمام رحمه الله لن يسلم من أحد اثنين:
أما أحدهما فعارف بالإمام سابر لأحواله، مطلع عليه عن كثب، فهذا لن تذهب به الغرابة بعيداً، بل ربما يلوم على التقصير في إيفاء الشيخ حقه.
وأما الآخر فجاهل بالإمام الشيخ، بعيد عنه، فلذا قد يرى أن فيما يقرؤه شيئاً من المغالاة أو المبالغة، فلا هذا يلام، ولا ذاك يلام.
فوائد من الكتاب:
1 ـ من تعظيم الشيخ بن باز رحمه للسنة تقصده الوتر في كل شيء، ومن اللطائف في ذلك أنه كان محباً للتمر، وكثيراً ما كان يسألني إذا كان يتناول تمراً فيقول: كم تناولتُ من تمرة؟ فإذا عددت النوى قلت له ـ على سبيل المثال ـ ستاً، أو ثمانياً فيزيد واحدة، وإن كان وتراً اكتفى به أو زاد اثنتين وهكذا. ص43.
2 ـ في يوم من الأيام كان سماحة الشيخ على موعد بعد صلاة الفجر، فلم يصل في المسجد، وذهبنا بعد الصلاة إلى منزل سماحته وانتظرناه، وقلقنا عليه، فخرج علينا وسأل عن الوقت، فأخبرناه بأن الجماعة قد صلوا، وكان رحمه الله متعباً في الليل، ولم ينم إلا في ساعة متأخرة، وبعد أن قام للتهجد اضطجع فأخذه النوم، ولم يكن حوله أحد يوقظه، أو يضبط له الساعة المنبهة.
وبعد أن علم أن الناس قد صلوا صلى، وقال للأخوين الزميلين الشيخ عبدالرحمن العتيق، والأخ حمد الناصر: هذه أول مرة تفوتني صلاة الفحر، وقد نام النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر عن صلاة الفجر، وأمر بالانتقال من ذلك المكان، وقال (إن فيه شيطاناً).
وهذه الحادثة أفادتنا أن سماحة الشيخ رحمه الله كان شديد المحافظة على صلاة الجماعة، إذ كيف لا تفوته صلاة الفجر مع الجماعة طيلة عمره المديد إلا مرة واحدة!. ص79
3 ـ لا فرق عند سماحته بين الفقير والغني، والشريف والوضيع، والسفير والوزير، فهم يجتمعون جميعاً على المائدة، وكل من أكل مع سماحته جعل يلتفت هنا وهناك ينظر في وجوه الناس على تباينهم، واختلاف ألسنتهم، ومراتبهم وألوانهم، فهذا عربي، وهذا أعجمي، وهذا أسود وهذا أبيض، وهذا من قريب وهذا من بعيد.
وفي أحد الأيام قال له أحد الحاضرين ممن يعرف سماحة الشيخ:
ياشيخ بعض هؤلاء لا يعرفون أدب الأكل، ولايحسُن الجلوس معهم فلو انفردت عنهم، وأرحت نفسك من هؤلاء، فقال سماحة الشيخ رحمه الله:
أنا الذي وضعت الطعام لهم، وهم جاءوا إلي، وراحتي بالأكل معهم، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يأكل مع أصحابه ومع الفقراء حتى مات، ولي فيه أسوة، وسوف أستمر على هذا إلى أن أموت، والذي لا يتحمل ولا يرغب الجلوس معهم نسامحه، ويذهب إلى غيرنا. ص106.
4 ـ من صور تواضعه أنه لا يأنف من قول: لاأدري، لا أعلم، أتوقف، فكثيراً ما يقول ذلك حين يسأل وهو لايعلم سواء كان ذلك في مجالسه الخاصة أو العامة أو في المحاضرات أو في المساجد، أو في الإذاعة.
وفي عام 1402هـ كان يلقي دروساً في الحرم، فسئل: هل الأنثى مثل الذكر يحلق رأسها، ويوزن ويتصدق به ورقاً؟
فأجاب رحمه الله بقوله: ما عندي علم أسأل إخواني طلبة العلم وأخبركم إن شاء الله. ص135.
5 ـ من صور تواضعه أنه لا يحتقر النصيحة أو الفائدة من أي أحد. أذكر أنه في يوم من الأيام اتصل شاب صغير بسماحة الشيخ، وقال: يا سماحة الشيخ الناس بأشد الحاجة إلى علماء يفتونهم، وأقترح على سماحتكم أن تجعلوا في كل مدينة مفتياً ليسهل الاتصال.
فقال سماحة الشيخ: ما شاء الله، أصلحك الله، كم عمرك؟ فقال ثلاثة عشر عاماً.
فقال لي سماحة الشيخ: هذا اقتراح طيب، يستحق الدراسة، اكتب إلى الأمين العام لهيئة كبار العلماء بهذا، فكتبت ما أملى به، ومما جاء في كتابه:
أما بعد فقد اتصل بي بعض الناصحين، وقال: إنه يقترح وضع مفتين في كل بلد، ونرى عرضه على اللجنة الدائمة، لنتبادل الرأي في الموضوع. ص136.
¥