تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نفسه ولا على الدفاع عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله. واليك نصُّ الواقعة: مرَّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ذات يوم على جماعة من قريش وهم جلوس عند الحجر، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا، لما كان يقول من عيب آلهتهم ودينهم. فيقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: نعم أنا الذي أقولُ ذلك. فأخذ رجلٌ منهم بمجمع ردائه (وهم يقصدون قتله) فقام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول: أتقتلون رجلا يقول ربّي اللّه؟ فانصرفوا عنه (ولم يقتلوه لأمر رأوه)، فرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى منزله، ورجع أبو بكر يومئذ وقد صدعوا فرق رأسه. إن هذه الرواية التاريخية اذا دلّت على مشاعر الخليفة تجاه النبيّ صلّى اللّه عليه وآله إلا أنها تدل قبل أي شيء على عجزه وضعفه. إنه يدلُّ على أنه لم يملك ذلك اليوم لا أية مقدرة بدنية وروحية ولا أية مكانة اجتماعية تُرهب. وحيث أنّ إلحاق الأذى بشخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان ينطوي في نظر قريش ذلك على عواقب لا تحمد، لذلك تركوا رسول اللّه ووجّهوا ضربتهم إلى رفيقه وصدعوا فرق رأسه.

ولو أنك قارنت بين هاتين الحادثتين وقايست بين موقف حمزة الشجاع وموقف الخليفة الأوّل هذا لاستطعت أن تقضي بسهولة بأنّ عزة الإسلام وقوة المسلمين وتعزيز موقفهم وخوف الكفار كان يعود إلى إسلام أيّ واحد من ذينك الرجلين. هذا، وستقرأ في القريب العاجل كيفية إسلام عمر. وسترى بأنّ إسلامه، كاسلام صديقه، لم يزد هو الآخر من قدرة المسلمين الدفاعية، وأنهم بالتالي لم يعتزوا باسلامه. فيوم أسلم عمر كاد أن يُقتل لولا العاص بن وائل السهمي لأنه هو الذي خاطب الذين قصدوا قتل عمر قائلا: رجُلٌ اختار لنفسه أمرا فماذا تريدون منه؟ أترون بني عدِيّ بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا؟ خَلُّوا عن الرجل. إن هذه العبارة التي قالها العاص لانقاذ الخليفة الثاني من أيدي الذين اجتمعوا على قتله تفيد بوضوح أن الخوف من قبيلة عمر هو الذي كان وراء تركهم إياه وعدم قتله. وقد كان دفاعُ القبائل عن أبنائها سنة فطرية وعادة متعارفة يومذاك، وكان يتساوى فيها الكبير والصغير، والشريف والوضيع. أجل إن بني هاشم هم كانوا في الواقع الحصن الحقيقي للمسلمين، وقد كان القسط الأكبر من هذا الأمر يتحمله أبو طالب وذووه، وإلا فانّ الاشخاص الآخرين الذين كانوا ينضمُّون إلى صفوف المسلمين لم يكن لديهم القدرة على الدفاع عن أنفسهم، فكيف بالدفاع عن الإسلام وجماعة المسلمين ليقال أن المسلمين اعتزوا بهم؟

00000000000000

لقد كان إسلام كل واحد من الذين أجابوا دعوة الرسول صلّى اللّه عليه وآله نابعا من سبب معيّن، فربّما أدّت حادثة صغيرة إلى أن يعتنق فردٌ أو فريقٌ الإسلام، وينضمُّوا إلى صفوف المسلمين. وقد اتّسم السببُ الذي آل الى إسلام عمر، من بين جميع تلكم الاسباب والعلل، بطرافة تقتضي التوقف عنده في هذه الدراسة التاريخية التحليلية. على أن التسلسل التاريخي والتنظيم الوقائعي لاحداث الإسلام، وان كان يقتضي منا ان نأتي على ذكر هذه الحادثة بعد هجرة صحابة النبي صلّى اللّه عليه وآله الى الحبشة، إلا أن الحديث حيث دار هنا حول صحابة النبي وكيفية اسلامهم ومواقفهم ناسب أن نشير هنا إلى كيفية إسلام الخليفة الثاني. يقول ابن هشام: كان اسلام عمر، فيما بلغني، أن اخته بنت الخطاب، وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، كانت قد أسلمت وأسلمَ بعلُها سعيدُ بن زيد، وهما مستخفيان باسلامهما من عمر (وهؤلاء هم كلُ من اسلم من آل الخطاب)، وكان خبّاب بن الأرت يختلف الى فاطمة بنت الخطاب يُقرئها القرآن. وكان عمر، الذي كانت بينه وبين المسلمين علاقات جدا سيئةً، قد أزعجه ما أصاب المجتمع المكي من تشتُّت وفرقة، وما لحق بقريش من المتاعب إثر ظهور الإسلام. من هنا عزم على أن يقضي على علة هذا الأمر باغتيال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والفتك به. فخرج يوما متوشحا سيفه يريد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ورَهْطًا من أصحابه، وقد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيتٍ عند الصفا، وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء، ومع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عمّه حمزة بن عبد المطلب وابو بكر وعلي بن ابي طالب في رجال من المسلمين يحفظونه ويحرسونه. يقول نعيم بن عبد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير