تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اللّه، وقد كان صديقا حميما لعمر: لقيت عمر وهو متوشح سيفا ويريد مكانا، فقلتُ له: أين تريد يا عمر؟ فقال: اريد محمّدا هذا الصابئ الذي فرّق أمر قريش وسفّه أحلامها وعاب دينها وسبّ آلِهتها فأقتُله. فقال له نعيم: واللّه لقد غرّتك نفسُك من نفسك يا عمر. أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلتَ محمّدا؟ أفلا ترجع إلى اهل بيتك فتقيم امرهم؟ قال: وأيّ أهل بيتي؟ قال: خَتَنُك وابنُ عمك سعيد بن زيد واختك فاطمة بنت الخطاب، فقد واللّه أسلما وتابعا محمّدا على دينه، فعليك بهما. فأغضب هذا النبأُ عمر بشدة فانصرف عن الهدف الذي كان يرمي اليه وعاد من توّه إلى بيت اُخته، فدخل على اخته وختنه وعندهما خبّاب بن الأرت معه صحيفة فيها سورة "طه" يقرئُهما إياها. فلما سمعوا حسّ عمر تغيّب خبّاب في مخدع لهم أو في بعض البيت، واخفت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة، وكان عمر قد سمع حين دنا الى البيت قراءة خبّاب عليهما، فلما دخل قال: ما هذه الهينمة التي سمعت؟ قالا له: ما سمعت شيئا. قال: بلى واللّه، لقد اُخْبِرْتُ انكما تابعتما محمّدا على دينه. وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت إليه اختُه فاطمة بنت الخطاب لتكفّه عن زوجها، فضربها فشجّها. فلما فعل ذلك قالت له اخته وختنُه: نعم قد اسلمنا وآمنّا باللّه ورسوله، فاصنع ما بدا لك. فلما رأى عمر ما باُخته من الدَّم ندم على ما صنع، فارعوى ورجع وقال لاُخته: اعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرأون آنفا أنظرُ ما هذا الذي جاء به محمّد. فلما قال ذلك قالت له اُخته: إنّا نخشاك عليها. قال: لا تخافي. وحلف لها بآلهته ليَرُدّنّها، إذا قرأها، اليها. فلما قال ذلك طمعتِ في اسلامه، فقالت: يا اُخَيّ، إنك نجس على شركك، وانّه لا يمسُّها إلا الطاهر. فقام عمر فاغتسل، فأعطته الصحيفة، وفيها آيات من سورة "طه" هي: "طه* ما أنزلنا عليك القُرآن لِتَشقى* إلا تذكرَةً لِمن يخشى* تنزيلا مِمّن خلق الأرض والسماواتِ العُلَى* الرّحمن على العرش استوى* لهُ ما في السماواتِ وما في الأرض وما بينهما وما تحتَ الثرى* وإن تجهر بالقول فانّه يعلم السِرَّ وأخفى".

ولقد تركت هذه الآياتُ المحكمة الفصيحة البليغة تأثيرا شديدا في نفس عمر فقال: ما احسن هذا الكلام! وقرر الرجلُ الذي كان قبل ثوان عدوَّ الإسلام الأول أن يغيّر موقفه، فتوجه من توّه إلى البيت الذي ذُكِر له أنّ فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وجماعة من أصحابه، وهو متوشح سيفَه، فضربَ عليهم الباب. فلمّا سمِعُوا صوته قام رجل مِن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فنظر من خلل الباب فرآه متوشحا السيف فرجع الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهو فزع، وأخبر النبيَ صلّى اللّه عليه وآله بما رأى. فقال حمزة: فائذن له، فان جاء يريد خيرا بذلناه له، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه. فقال رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله: إئذن له. فأذِن له الرجل، ونهض إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حتى لقيه في الحجرة، فأخذ حُجُزته (وهو موضع شد الإزار) أو بمجمع ردائه ثم جبذَهُ جبذةً شديدة، وقال: ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فواللّه ما أرى تنتهي حتى ينزل اللّه بك قارعة؟ فقال عمر: يا رسول اللّه، جئتك لاؤمن باللّه وبرسوله وبما جاء من عند اللّه. وهكذا اسلم عمر عند رسول اللّه وأصحابه وانضوى إلى صفوف المسلمين. ثم ان ابن هشام روى رواية اخرى في كيفية اسلام عمر من أراد الوقوف عليها راجعها في السيرة النبوية".

أما الرواية الأخرى، وهى كما يرى القارئ تحظى أيضا بثقة الكاتب الشيعى وقبوله، وإن لم يوردها مكتفيا بالإشارة إلى موضعها من سيرة ابن هشام، فها هى هذه: "قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي عن أصحابه عطاء ومجاهد أو عمن روى ذلك أن إسلام عمر فيما تحدثوا به عنه أنه كان يقول: كنت للإسلام مباعدا، وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأسرّ بها، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة عند دور آل عمر بن عبد بن عمران المخزومي. قال: فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك. قال: فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا. قال فقلت: لو أني جئت فلانا الخمار، وكان بمكة يبيع الخمر، لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها. قال: فخرجت فجئته فلم أجده. قال فقلت: فلو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير