تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سبعين. قال: فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي. وكان إذا صلى استقبل الشام، وجعل الكعبة بينه وبين الشام. وكان مصلاه بين الركنين: الركن الأسود والركن اليماني. قال فقلت حين رأيته: والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول. قال فقلت: لئن دنوت منه أستمع منه لأروعنه فجئت من قبل الحجر فدخلت تحت ثيابها، فجعلت أمشي رويدا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة. قال: فلما سمعت القرآن رق له قلبي، فبكيت ودخلني الإسلام. فلم أزل قائما في مكاني ذلك حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته ثم انصرف. وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حسين، وكانت طريقه، حتى يجزع المسعى، ثم يسلك بين دار عباس بن المطلب وبين دار ابن أزهر بن عبد عوف الزهري ثم على دار الأخنس بن شريق حتى يدخل بيته. وكان مسكنه صلى الله عليه وسلم في الدار الرقطاء التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان. قال عمر رضي الله عنه: فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر أدركته. فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسي عرفني، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أني إنما تبعته لأوذيه فنهمني، ثم قال: ما جاء بك يا ابن الخطاب هذه الساعة؟ قال قلت: جئت لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله. قال: فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: قد هداك الله يا عمر. ثم مسح صدري ودعا لي بالثبات، ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته".

ومن هاتين الروايتين اللتين تنالان رضا الأستاذ جعفر السبحانى الكاتب الشيعى يتبين لنا أنه ليس ليهود موضع رأس إبرة فى إسلام عمر رضى الله عنه، ولا كان هناك تخطيطٌ أىّ تخطيطٍ لديه، بل وقع كل شىء على نحو تلقائى. ذلك أنه لم يكن فى ذهنه قط أية نية للدخول فى الإسلام، بل كان ماضيا فى طريقه يريد إيقاع الأذى بالرسول وأتباعه أو يبحث عن خمر يشربها أو صديق يسليه، بيد أنه كان للأقدار رأى آخر. ولو كانت هناك أية شبهة اتصال باليهود من جانب عمر لما أفلتها السبحانى، الذى رغم ما يطالعنا فيما كتبه عن الفاروق رضى الله عنه من بعض الاعتدال لم يظهر عليه الترحيب بإسلامه، بل عمل بكل وسعه على التقليل من شأنه والتأكيد بأن دخوله فى الإسلام لم يكن له قيمة تُذْكَر، بل القيمة كل القيمة فى إسلام على وحمزة فقط، رضى الله عن الجميع.

أما اتهام الخوئينى لعمر وأبى بكر وسعد وابن الجراح وأمثالهم بالنفاق فأقل ما ينبغى أن يقال فيه أن مُتَّهِمهم مغفل أحمق، إذ لم يظهر النقاق إلا فى المدينة، وعبثا نبحث عن هذه الكلمة فيما نزل من قرآن قبل الهجرة. ذلك أن دواعى النفاق لم تكن قد وُجِدَتْ بعد فى العهد المكى حيث الاضطهاد يتناوش المسلمين من كل جهة، فلم يكن يدخل الدين الجديد إلا أصحاب الضمائر المستقيمة المستعدون للتضحية براحتهم وأموالهم وسمعتهم، وبأرواحهم أيضا. فكيف ُيتَّهَم أى مسلم فى تلك الظروف بأنه منافق؟ ثم لو كان عمر منافقا، وهذا مستحيل، فلم كان شديدا كل هذه الشدة مع رأس النفاق فى المدينة: عبد الله بن أبىّ بن سلول؟ لقد بلغت شدته أنه لم يكن يرى موضعا للتسامح ولا للمجاملة مع هذا المنافق الأكبر حتى لقد تعرض للنبى يريد أن يحول بينه وبين الصلاة عليه والاستغفار له حين مات، فأصر صلى الله عليه وسلم على الصلاة والاستغفار لذلك الرجل الذى كثيرا ما وضع فى طريق دعوته العقبات وتآمر عليه وعلى أتباعه ووضع يده فى أيدى يهود يريد القضاء عليه وعلى دينه، إلى أن نزل نص حاسم يمنع من الصلاة عليه وعلى أمثاله أو الاستغفار لهم.

ثم كيف يصهر الرسول إلى عمر المنافق ولا يكتشف نفاقه طوال تلك الأعوام التى قضاها إلى جانبه، فضلا عن أنه كان يستشيره ويقربه إليه ويعتز به؟ أم سيقول من فى قلوبهم مرض إن الرسول كان يمارس معه لعبة التقية، وكأنه عليه الصلاة والسلام كان مثل أولئك الجبناء المرائين، أستغفر الله! ثم كيف سكت القرآن عن عمر فلم تنزل فيه آيات تفضحه وتحذر الرسول والمسلمين منه؟ بل كيف نفسر تحمسه فى كل المواقف ضد اليهود والمشركين وعدم التسامح معهم؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير