تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد أكدتُ من قبل أنْ لو كان علىٌّ هو الذى تولى الخلافة بعد النبى لقلنا: "على العين والرأس"، بالضبط مثلما رحبنا بأبى بكر وعمر وعثمان، كل فى وقته. كما قلنا إنهم جميعا أصحاب فضل ونبل، وكلهم أدى خدمات جليلة للإسلام مشكورة غير منكورة. وإذا كان للأقدار رأى آخر فى ترتيب توليهم حكم المسلمين فقد وقع ما وقع وانتهى الأمر. وإذا كان أبو بكر وعمر أكثر توفيقا فى إدارة شؤون الرعية والدولة من عثمان ثم على فهكذا كانت الظروف، وإلا لقلنا مثلا إن عليا لا يكافئ الشيخين الجليلين فى المقدرة على تصريف الأمور السياسية والإدارية والتعامل مع الرعية، ولم يستطع كرم الله وجهه أن يثبت كفاءته حين جَدّ الجِدُّ فألفى نفسه أمام الواقع المعقد المر بكل شوائبه واضطراباته وحاجته إلى المرونة والدهاء والتنظيم وتقديم الأهم على المهم ... وهكذا. لكننا لا نقول شيئا من ذلك.

وعلى أية حال فهأنذا أسوق إلى القراء الكرام خبر زواج عمر من أم كلثوم رضى الله عنهما كما سجله البلاذرى فى "أنساب الأشراف": "حدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده، قال: خطب عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت علي، رضي الله تعالى عنهم، فقال: إنها صغيرة. فقال: يا أبا حسن، إنما حرصي عليها لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما سببٌ ولا صهرٌ إلا وهو منقطع يوم القيامة إلا سببي وصهري". فقال عليّ: أنا مرسلها إليك لتراها. فلما جاءته قال لها: قولي لأبيك: إني قد رضيت الحلّة. فأدّت الرسالة، فزوّجه عليّ إياها وأصدقها عمر أربعين ألفا. وقال هشام بن الكلبي: وقد ذكر قوم أنه أصدقها مائة ألف درهم. حدثنا الحسين بن علي بن الأسود، حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن عثمان بن محمد بن عليّ، قال: خرج عمر إلى الناس فقال: رفئوني بابنة رسول الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي". حدثني محمد بن سعد، حدثنا مالك بن إسماعيل النهدي، حدثنا سيف بن هارون عن فضل بن كثير عن عكرمة عن ابن عباس، قال: لمّا ابتنى عمر بأم كلثوم دخل على مشيخة المهاجرين، وكانت تحفته إيّاهم أن صفَّر لحاهم بمَلاب. وقال ابن الكلبي: وَلَدَتْ أمُّ كلثوم بنتُ عليّ لعُمَر زيدَ بن عُمَر ورقيّةَ بنت عُمَر، فمات زيد وأمه في يوم واحد، وكان موته من شجّة أصابته". ويتضح من هذا الخبر أن عمر كان حريصا على الإصهار إلى علىٍّ، راغبا أشد الرغبة فى أن يكون بينه وبين رسول الله رابطة نسب، مع الاحترام والتوقير الكاملين لأبيها ورضا الأب بذلك الصهر تمام الرضا، وإلا فهل كان علىٌّ من الجبن بحيث لا يستطيع أن يرفض لعمر مثل هذا الطلب، وبخاصة أنه ليس فى ذلك الرفض شىء يشين الفاروق أو ينال من قدره؟

ويورد ابن عبد ربه هذا الخبر فى كتابه: "العقد الفريد" بشىء من التفصيل: "خطب عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت أبي بكر، وهي صغيرة، فأرسل إلى عائشة، فقالت له: الأمر إليك. فلما ذكرت ذلك عائشة لأم كلثوم قالت: لا حاجة لي فيه. فقالت عائشة: أترغبين عن أمير المؤمنين؟ قالت: نعم. إنه خشن العيش شديد على النساء. فأرسلت عائشة إلى المغيرة بن شعبة فأخبرته، فقال لها: أنا أكفيك. فأتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني عنك أمر أُعِيذك بالله منه. قال: ما هو؟ قال: بلغني أنك خطبت أم كلثوم بنت أبي بكر. قال: نعم. أفرغبتَ بها عني أم رغبتَ بي عنها؟ قال: لا واحدة منهما، ولكنها حَدَثَةٌ نشأت تحت كنف خليفة رسول الله في لين ورفق، وفيك غلظة. ونحن نهابك وما نقدر أن نردك على خلق من أخلاقك، فكيف بها إن خالفتْك في شيء فسطوتَ بها، فكنتَ قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك؟ فقال: كيف لي بعائشة وقد كلمتُها؟ قال: أنا لك بها، وأدلك على خير لك منها: أم كلثوم بنت علي من فاطمة بنت رسول الله. تتعلق منها بسبب من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان علي قد عزل بناته لولد جعفر بن أبي طالب. فلقيه عمر فقال: يا أبا الحسن، أنكحْني ابنتك أم كلثوم بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قد حبستها لابن جعفر. قال: إنه والله ما على الأرض أحد يرضيك من حسن صحبتها بما أرضيك به، فأنكحني يا أبا الحسن. قال: قد أنكحتكها يا أمير المؤمنين. فأقبل عمر فجلس على الروضة بين القبر والمنبر، واجتمع إليه المهاجرون

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير