تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أحيانا من اختلاف على أنه اختلاف فى الاجتهاد مشروع ومفهوم لا أكثر ولا أقل، إذ البشر لا يمكن أن يكونوا جميعا نسخا طبق الأصل من نموذج واحد، ولا داعى لإثارة الحزازات المذهبية. إننى أعلم بل متيقن أن هذا الكلام الجميل لن يكون له ولا واحد على المليون من التأثير المرجوّ، لكن من يدرى؟ ربما يكون له تأثير فى المستقبل، وهو ما أرجوه، وإن كنت لا أنتظره فى حياتى.

...

وبالنسبة لاتهام الكاتب للفاروق بالمروق من الدين، رضى الله عن الفاروق ولعن من يتطاول بالباطل عليه، نبدأ بما قيل عن تجميعه المسلمين فى صلاة التراويح، فماذا نجد؟ لنقرأ أولا الحديث التالى، وفيه "أن عمر خرج ليلة في شهر رمضان ... فرأى أهل المسجد يصلون أوزاعا متفرقين، فأمر أبي بن كعب أن يقوم بهم في شهر رمضان. فخرج عمر والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: نعمت البدعة هذه". ولست أفهم كلمة "البدعة" فى هذا السياق على أنها الخروج عن الدين، بل على أنها نظام رآه عمر نافعا فأمضاه. ومعروف أن صلاة الجماعة فى الإسلام تُكْسِب صاحبها أضعاف ثواب الصلاة منفردا. وقد وجد عمر المسلمين يصلون أوزاعا، أى جماعات، متفرقة لا جماعة واحدة. أى كان لهم أكثر من إمام، فجمعهم رضى الله عنه على إمام واحد، إذ رأى أن ذلك أمثل، أى أفضل. فهو إذن لم ير ذلك فرضا واجبا، بل رآه أفضل، وهذا كل شىء. وهل من عاقل ينكر عليه هذا؟ ولقد كان الناس على عهد الرسول يصلونها خلفه صلى الله عليه وسلم. إلا أنه، لما ألفاهم يتوافدون عليها ليلة بعد ليلة بأعداد متكاثرة، تعمد فى إحدى الليالى ألا يخرج لهم، وأفهمهم أنه قد فعل ذلك كيلا تفرض صلاة القيام عليهم. فعمر إذن لم يبتدع صلاة القيام جماعة، بل جمع المصلين جميعا وراء قائد واحد.

وعلى كل حال فإن عمر، كما سبق أن رأينا، لم يفرض تأدية التراويح على الناس فرضا، بل نظّمها على هذا الوضع، وترك لكل مصلٍّ أن يؤديها بالطريقة التى يراها. وها نحن أولاء الآن يصلى بعضنا التراويح فَذًّا، وبعضنا مع غيره. بل إننا فى بعض المساجد فى مصر قد نرى فى الصلوات المفروضة ذاتها أكثر من جماعة: جماعة تتمهل فى صلاتها على راحتها، وجماعة تعتدل فى اطمئنانها بصلاتها ولا تطيل ... وكثيرا ما يصلى المصلى وحده، والجماعة قائمة، لأنه متعجل وراءه موعد هام، أو مسافر يخشى فَوْت المواصلات، أو مريض لا يستطيع تجشُّم تطويل الجماعة ... إلخ. وأذكر أنى قرأت فى رحلة ابن جبير أنه كانت تقام فى الحرم الشريف بمكة عدة جماعات لصلاة التراويح فى ذات الوقت: جماعة الشافعية، وجماعة الحنابلة، وجماعة الأحناف، وجماعة المالكية، وجماعة الزيدية (وهم شيعة!). بل إن بعض الجماعات كان لها أكثر من إمام. ثم إن عليا نفسه كان يجمع الناس فى قيام رمضان: للرجال إمامهم، وللنساء إمامهن. وفى حديث عرفجة أنه كان إمام النساء على عهده، كرم الله وجهه. فما قول المؤلف الجهول فى هذا؟

أما القول بأن عمر رضى الله عنه "قد أمضى الطلقات الثلاث فى مجلس واحد، وبغير شهود، وجعلها طلاقا بائنا، فأمضاها أهل السنة مثلما أمضاها" فهو اجتهاد منه رضى الله عنه لا يلزم غيره. ونحن الآن لا نأخذ بهذا الرأى فى كثير من الأحيان. ألا يعرف الجاهل أن المجتهد له أجر حتى لو أخطأ. فماذا يريد إذن؟ و أخف من هذا ما يقوله عن تحديده، رضى الله عنه، بداية السنة الهجرية بالمحرم لا بربيع الأول، الذى تمت فيه الهجرة. ترى هل هناك نص يقول إن السنة الهجرية لا بد أن تبدأ بربيع الأول؟ وحتى لو قلنا إن بدايتها هى ربيع الأول فإن ذلك لن يحل المشكلة، إذ المعروف أن النبى لم يهاجر فى غُرّة الشهر بل بعد مضىّ ما يقرب من نصفه. أى أننا حين نجعل بداية السنة من ربيع الأول لن نكون قد أصبنا المحزّ طبقا لما يريده مؤلفنا الغشوم. وإذا كان الأمر على ما يقول ذلك الذى طمس الله على بصيرته، فلماذا يا ترى سكت علىٌّ فلم يعترض على ما صنعه الفاروق؟ أ تراه سيقول إنه كان خائفا أن يبطش به عمر؟ إنه إذن لجبان رعديد، وليس بالبطل الصنديد الذى نعرفه، كرم الله وجهه!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير