تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما زواج المتعة، الذى يمارسه الشيعة رغم شُنْعه، وبخاصة إذا لم تكن هناك ضرورة له مما يجعله أشبه بالزنا لا بالزواج، فمع أن النبى عليه الصلاة والسلام كان قد أحله فإن ذلك لم يدم طويلا، إذ سرعان ما منع المسلمين من ممارسته، وهو ما أخذ به الصحابة جميعا بما فيهم زوج الزهراء رضى الله عنه. ولكى نبتعد عن المماحكات والأخذ والرد الذى لا يأتى بطائل أقول: هَبْ عُمَر وحده من دون الصحابة جميعا هو الذى رأى أنه حرام لا يليق بالمسلم أن يأتيه، أفلا نعد ذلك اجتهادا منه رضوان الله عليه يُؤْجَر بسببه؟ إنه، بكل يقين، لم يخطئ، بل أمضى حكم الإسلام فى هذا الموضوع، وهو الحكم الذى لم يكن كل واحد من المسلمين فى ذلك الوقت يعرفه لأنه لم يكن قد بلغه أن النبى قد عاد فحرمه، فلذلك شدد عمر فى منعه. أما إذا كان ابن عباس رضى الله عنه يرى حِلِّيّة المتعة فقد كان يرى ذلك فى حالة الضرورة فقط. ويمكن تقريب وجهة نظره إذا ما وضعنا فى أذهاننا مثلا حالة الطلبة المسلمين الذين يذهبون إلى الغرب للدراسة أو للعمل وهم أعزاب، فماذا يفعلون؟ إن ممارسة الجنس هناك أسهل من شرب زجاجة كوكاكولا، وكثير منهم يزنى دون حرج. فلهذا قد يرى بعضٌ أن زواج المتعة فى حالة الاضطرار من فتاة أوربية طوال المدة التى يقضيها المسلم العَزَب هناك أكرم له من الوقوع فى الفاحشة. ومع ذلك فقد رجع ابن عباس عن تحليله هذا الضرب من الزواج حين رأى إسراف بعض الناس فيه.

هذا، ولا أحسبنى بحاجة إلى إثبات ما كان عمر يشعر به تجاه النبى من إجلال وإكبار، فقد كان رضى الله عنه يؤمن به وبرسالته إيمانا حارا يخالط منه الدم واللحم والعظام، ومن ثم لا يمكن أن يفكر فى الإساءة إليه صلى الله عليه وسلم حتى وهو فى نزعه الأخير. وتقول بعض الروايات إنه، عليه الصلاة والسلام، دعا فى مرضه ذاك حين اشتدت به الحمّى بشىء يملى على المسلمين فيه كتابا لا يفترقون بعده أبدا، فظن عمر أن مرجع ذلك إلى تأثير تلك الحمى. ذلك أنه، رضى الله عنه، كان يعرف أن فى القرآن الكفاية كل الكفاية وأن الوحى قد انقطع وانتهى الأمر، فلا يمكن أن يكون هناك جديد له هذه الأهمية. وهل الرسول إلا بشر فى نهاية المطاف؟ ألم يكن ينام؟ ألم يكن يمرض ويتألم ويعانى؟ ألم يكن ينسى ويسهو؟ ألم يكن يرى الرأى من أمور الدنيا ويرى غيره من الصحابة شيئا آخر أوفى بالمراد كما حدث فى مسألة تأبير النخل وفى تحديد الموضع الذى كان على المسلمين أن ينزلوه فى غزوة بدر ... ؟ فلماذا يثير المؤلف العواصف إذن؟

وإلى القارئ خلاصة ما وقع طبقا لما رواه ابن عباس عن صحيح مسلم: "لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده. فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن. حسبنا كتاب الله! فاختلف أهل البيت فاختصموا. فمنهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا. قال عبيدالله: فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم". ترى لو كان الرسول يرى فعلا أن المسلمين يلزمهم كتاب فى ذلك الوقت، أكان يصرف الحاضرين دون أن ينفذ ما كان يعتزم فعله؟ وهنا أود أن أشير إلى ما زعمه الكاتب من قول عمر عن الرسول: "إن الرجل يَهْجُر"، وهو زعم كاذب، إذ لا يمكن أن يشير عمر إلى النبى بكلمة "الرجل" ولا أن يقول عنه إنه "يهجر"، فهذه ليست لغة الفاروق فى الحديث عن نبيه وحبيبه والرجل الذى ترك هو الدنيا كلها وراء ظهره واتبعه من دون العالمين أجمعين فى وقت لم يكن يتبعه فيه إلا كبار المؤمنين من أولى العزم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير