تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس. فما هو إلا أن كبّر فسمعته يقول: قتلني الكلب، حين طعنه. فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم سبعة. فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا. فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه. وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه. فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر، وهم يقولون: سبحان الله! سبحان الله! فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة. فلما انصرفوا قال عمر: يا ابن عباس، انظر من قتلني. فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة. قال: الصَّنَع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله. لقد أمرت به معروفا. الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدَّعي الإسلام.

قال ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (3/ 345): أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب، قال: كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة، وهو على الكوفة، يذكر له غلاما عنده صَنَعًا ويستأذنه أن يدخله المدينة ويقول: إن عنده أعمالا كثيرة فيها منافع للناس. إنه حداد نقاش نجار. فكتب إليه عمر فأذن له أن يرسل به إلى المدينة. وضرب عليه المغيرة مئة درهم كل شهر، فجاء إلى عمر يشتكي إليه شدة الخراج. فقال له عمر: ماذا تحسن من العمل؟ فذكر له الأعمال التي يحسن. فقال له عمر: ما خراجك بكثير في كنه عملك. فانصرف ساخطا يتذمر. فلبث عمر ليالي، ثم إن العبد مر به فدعاه فقال له: ألم أحدَّث أنك تقول: لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح. فالتفت العبد ساخطا عابسا إلى عمر، ومع عمر رهط، فقال: لأصنعن لك رحى يتحدث بها الناس. فلما ولى العبد أقبل عمر على الرهط الذين معه فقال لهم: أوعدني العبد آنفا!

فلبث ليالي ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في غلس السحر، فلم يزل هناك حتى خرج عمر يوقظ الناس للصلاة صلاة الفجر، وكان عمر يفعل ذلك. فلما دنا منه عمر وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق، وهي التي قتلته، ثم انحاز أيضا على أهل المسجد فطعن من يليه حتى طعن سوى عمر أحد عشر رجلا، ثم انتحر بخنجره. فقال عمر حين أدركه النزف وانقصف الناس عليه: قولوا لعبد الرحمن بن عوف فليصل بالناس. ثم غلب عمرَ النزفُ حتى غشي عليه. قال ابن عباس: فاحتملت عمر في رهط حتى أدخلته بيته ثم صلى بالناس عبد الرحمن، فأنكر الناس صوت عبد الرحمن. فقال ابن عباس: فلم أزل عند عمر، ولم يزل في غشية واحدة حتى أسفر الصبح. فلما أسفر أفاق فنظر في وجوهنا فقال: أصلى الناس؟ قال فقلت: نعم. فقال: لا إسلام لمن ترك الصلاة. ثم دعا بوضوء فتوضأ ثم صلى ثم قال: اخرج يا عبد الله بن عباس فسل من قتلني. قال ابن عباس: فخرجت حتى فتحت باب الدار، فإذا الناس مجتمعون جاهلون بخبر عمر. قال فقلت: من طعن أمير المؤمنين؟ فقالوا: طعنه عدو الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة. قال: فدخلت، فإذا عمر يبدهني النظر يستأني خبر ما بعثني إليه. فقلت: أرسلني أمير المؤمنين لأسأل من قتله، فكلمت الناس فزعموا أنه طعنه عدو الله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة ثم طعن معه رهطا ثم قتل نفسه. فقال: الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يحاجني عند الله بسجدة سجدها له قط. ما كانت العرب لتقتلني.

روى ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (جزء 44 - صفحة 441) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، قال: لما طعن عمر وكانتا طعنتين خشي أن يكون له ذنب إلى الناس لا يعلمه فدعا عبد الله بن عباس، وكان يحبه ويأتمنه، فقال: أحب أن تعلم: عن ملأ من الناس كان هذا؟ فخرج ابن عباس ثم رجع إليه فقال: يا أمير المؤمنين، ما أتيت على ملأ من المسلمين إلا يبكون كأنما فقدوا اليوم أبناءهم. قال: فمن قتلني؟ قال: أبو لؤلؤة المجوسي عبد المغيرة بن شعبة. قال: فرأينا البشر في وجهه، وقال: الحمد لله الذي لم يقتلني رجل يحاجني بلا إله إلا الله يوم القيامة. أما إني قد كنت نهيتكم أن تحملوا إلينا من العلوج فعصيتموني.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير