((الخصوصيّة التي لو توفّرتْ في الجُمْلة لكان لها محلٌّ من الإعراب، ولو فُقِدَتْ منها لكانتْ بلا محلٍّ من الإعراب، هي خصوصيّة: أنْ تكون في تأويل المُفْرَد، أو أنْ لا تكون في تأويله)).
فنقول ـ وبالله التوفيق ـ:
لا بدّ من التفريق بين مسألتيْن:
المسألة الأُولى: أنْ تكون الجُمْلة في تأويل المُفْرَد.
والمسألة الثانية: أنْ تكون الجُمْلة واقعةً في محلٍّ هو للمُفْرَد.
والمقصود من المسألة الأُولى: أنْ تكون الجُمْلة قابلةً لأنْ تتحوّل عن صيغة التركيب إلى صيغة الإفْراد، وذلك كما في قوْلنا: (أعجبني أنّك أيّها الأغرّ عالِمٌ)، فإنّ جُمْلة: (أنّكَ عالِمٌ) قابلةٌ ـ بحسب ما لها من المعنى ـ للتحويل والتبدّل من صيغتها التركيبيّة الحاليّة إلى صيغةٍ أُخْرى خاليةٍ من هذا التركيب، لأنّ ما نفْهمه من معناها هو أنّ المتكلّم أراد أنْ يتعجّب من علْم الشّخْص المذكور، فالمُتَعَجَّب منه، وإنْ كانت صورته الحاليّة هي صورة الجُمْلة، إلاّ أنّه من النّاحية المعنويّة والدّلاليّة يَنْسلخ عن هذه الصّورة، ليَنْحصر في لفْظٍ واحدٍ مُفْرَدٍ، وهو لفْظ (علْم).
وأمّا المقْصود من المسألة الثانية، فليس انسلاخ الجُمْلة عن هيئتها التركيبيّة وتحوّلها إلى هيئة المُفْرَد، بل المقصود منها: أنْ تكون الجُمْلة، الباقية على صورتها الحاليّة دونما تغييرٍ أو تبدّلٍ أو تحوّلٍ أو انقلابٍ إلى حالة المُفْرَد، بل معناها الذي يَحْضر معها إلى الذّهْن هو معْنى الجُمْلة ليس غير، غاية الأمر: أنّ هذه الجُمْلة المذكورة والموْصوفة بهذه الأوْصاف ـ (أعني: البقاء وعدم الانسلاخ والتحوّل) ـ قد وقعتْ في محلٍّ من الكلام كان يُفْتَرَض أنْ يَشْغله المُفْرد، وكان من حقّ المُفْرد أنْ يحُلّ هو فيه، دون سواه. وذلك، كموْقع (المفْعول به) أو (المُضاف إليْه) أو (الفاعل) أو (الفعْل المجْزوم) أو .........
والخلاصة: أنّنا في المسْألة الأُولى لديْنا صورة جُمْلةٍ، وليْس جُمْلةً حقيقيّةً، بل الموْجود لديْنا مُفْرَدٌ على الحقيقة، غاية الأمر: أنّه قد عُبِّر عن هذا المُفْرَد من خلال صورةٍ تركيبيّةٍ جُمَليّةٍ، لنُكْتةٍ ما، كالتأكيد ونحْوه ..
وأمّا في المسْألة الثانية: فالموْجود لديْنا، شكْلاً وصورةً كما واقعاً وحقيقةً، إنّما هو الجُمْلة، والجُمْلة وحْدها، فالمتكلّم قد أتى بالجُمْلة، وقَصَد منها مدْلولها التركيبيّ، لا غيره، غاية الأمر: أنّ الموْضع الذي جعل فيه هذه الجُمْلة، موْضعٌ مُخَصَّصٌ للمُفْرَد ..
وإذا اتّضح ذلك، نقول:
إنّ الذي له علاقةٌ بمحلّ بحْثنا هو المسألة الثانية، فإنّ الجُمْلة إنّما يكون لها محلٌّ من الإعراب لو كانتْ في محلّ المُفْرَد، لا إذا كانتْ في تأويل المُفْرَد ..
وبهذا فقط، نستطيع الجمْع بين قوْل النّحاة: إنّ الجُمْلة المحْكيّة بالقوْل هي في محلّ نصْب على أنّها مفعولٌ به، وبيْن قوْلهم الآخر: إنّ هذه الجُمْلة نفْسها ليْستْ في تأويل المُفْرَد، ولذا كان الكسْر في همْز إنّ في بدايتها واجباً ولازماً ..
ومنه يتّضح الحال في الموْضعيْن الثاني والثالث أيضاً. فإنّ الجرّ بالإضافة موْضعٌ خاصٌّ بالمضاف إليْه المُفْرَد، وكذا الجزْم بأداة الشّرْط، موْضعٌ مُخْتَصٌّ بالفعْل المضارع المجْزوم لا بالجُمْلة.
والله العالِم بالحال ..
وهذا ما يَحْتاج منكم أيّها الفصحاء إلى تقويمٍ وتصْويب ..
ـ[سامي الفقيه الزهراني]ــــــــ[22 - 05 - 2007, 11:41 م]ـ
هل لجملة الجزاء محل من الإعراب؟؟
ـ[العاملي الحسيني]ــــــــ[23 - 05 - 2007, 01:44 م]ـ
أحسنت يا أخ عاملة على هذا التحقيق، لقد وفّيت المسألة حقها.
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[23 - 05 - 2007, 07:16 م]ـ
أحسنت عاملة
وأرجو لك التوفيق والسداد، وأقترح عليك مدنا بدرس من دروس النحو في مشروع كتاب الفصيح!!
ـ[عاملة]ــــــــ[24 - 05 - 2007, 05:54 م]ـ
شكراً جزيلاً لجميع الإخوة على المرور ..
وللأخ سامي الفقيه أقول: نعم، الجُمْلة الواقعة جواباً لشرْطٍ جازمٍ مُقْتَرنٍ بالفاء أو بإذا، تكون في محلّ جزْمٍ على أنّها جوابٌ للشّرْط. وأمّا الجُمْلة الواقعة جواباً لشرْطٍ جازمٍ غير مقترن بالفاء أو بإذا، أو الجُمْلة الواقعة جواباً لشرْطٍ غير جازم فهذه تكون جُمْلةً لا محلّ لها من الإعراب. أمّا الأُولى: فلأنّ خلوّها عن الفاء أو عن إذا يَجْعل من الفعْل مجزوماً حقيقةً وفعْلاً، لا أنّ جُمْلته تكون في محلّ جزْمٍ، إذْ من الواضح: أنّ الإعراب المحلّي إنّما يُصار إليْه عند عدم التمكّن من الإعراب اللّفْظيّ. وأمّا الجُمْلة الثانية: فلأنّ المفْروض أنّ اسْم الشّرْط الداخل على الجُمْلة ليس جازماً أصْلاً، ومن شرْط الإعراب المحلّي أنْ يكون العامل الطّالب للمحلّ فيه موجوداً وقائماً، وهنا ليس كذلك، لأنّه لو كان لها محلٌّ لكان محلّها الجزْم، والحال: أنّ الجازم مفقودٌ لا وجود له فيها.
وأمّا الأخ مغربي، فأشْكرك على هذه الثقة التي منحتني إيّاها، وأعدك بامتثال أمرك سريعاً، إنْ شاء الله، وإنْ كان لي بعْض الاستفسارات بشأن الكتاب المذكور، ولكنْ أذكرها في محلّه في الموضوع المخصّص له ...
وأخيراً .. أجدّد شُكْري .. وأعتقد أنّي لا أذيع سرّاً إذا قُلْتُ بأنّ هذا المنتدى الكريم هو مثار عزّةٍ لكلّ عربيٍّ ومُسْلمٍ غيور على قُرْآنه ودينه ولغته وقوْميّته ..
¥