تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يكفي له رائحة الفعل، فقيس عليها في ذلك مع العلم أن (ليس) أولى برائحة الفعل من (ما)، كما يلحظ مثلا اتصال الضمائر بها، وكذلك ما يلحظ في العمل، فإن انتقاض نفي (ما) بـ (الا) يمنعها من العمل بخلاف (ليس) كقولك: (ما زيد الا قائم) و (ليس زيد إلا قائماً). وردت دعوى وجوب اقتران الفاء بجوابها إذا لم تجرد عن الظرفية، وهو ما ذهب إليه أبو حيان في نهره والسيوطي في همعه () وغيرهما، أقول: إنه مردود بأن لزوم الفاء مع الأفعال الجامدة إنما هو في جواب أسماء الشرط لعملها به، أما (إذا) فدخول الفاء في جوابها على خلاف الأصل، للتباين الواضح بين (إذا) وأسماء الشرط، والتي أوصلها الزركشي إلى عشرة فروق. وزيادة على ما ذكر فقد أورد الباقولي عن أبي علي قوله في هذه الآية (إذا وقعت الواقعة): (و إذا جاز ((فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم)) على تقدير فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم)) فحذف الفاء مع القول، وحذف الفاء وحده أجوز) ولابد من الكلام هنا من ناحية أخرى، فإن السياق القرآني يقتضي أن يكون (ليس لوقعتها كاذبة) هي الجواب؛ لأن القران الكريم تحدث كثيراً عن المكذبين للبعث والحساب في ثنايا الكلام على القيامة وأهوالها، فتجد ذلك في مثل قوله تعالى ((الحاقة ما الحاقة كذبت ثمود وعاد بالقارعة)) وقوله ((إذا زلزلت الأرض زلزالها)) إلى قوله تعالى ((يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها)) وقوله ((فإذا جاءت الطامة الكبرى)) إلى قوله ((يسألونك عن الساعة)) وكذلك قوله ((إذا السماء انفطرت)) إلى قوله ((كلا بل تكذبون بالدين)) وكذلك قوله ((إذا السماء انشقت)) إلى قوله ((إنه ظن أن لن يحور)) فكأن السياق القرآني غالباًس ما يتحدث عن المكذبين في ظل حديثه عن القيامة وأهوالها وهذا في سورة الواقعة التي تكلمت بشمول لأحوال الناس في أخراهم وعن نعم الدنيا والآخرة، فهي بهذه السمة الجامعة تشير إلى أن الواقعة إذا وقعت سينتفي التكذيب من هؤلاء المكذبين. ومن ثم إشارة أخيرة لابد منها هي أن (كاذبة) صفة لمحذوف والتقدير (ليس لوقعتها نفس كاذبة) وهذا ما ذهب إليه كثير من المفسرين حتى علق عليه الآلوسي بقوله: إن هذا القول وهو وصف النفس بالكذب أولى من الرأي القائل: إنها وصف الخبر

و أما الرأي القائل بتقدير (اذكر) ففيه إخراج لـ (إذا) عن الظرفية، وهو ما قال به ابن مالك وابن جني، إذ قالوا بإمكان تخلي (إذا) عن الظرفية والشرطية معاً، لتقع مفعولاً به أو مجرورة بـ (حتى)، أو مبتدأ، أو بدل. ولم يستدل أحد ممن رجعت له بمثال وقوعها مفعولاً به بسوى ما استدل به ابن مالك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): (إني لأعلم إذا كنت راضية) والجمهور يرد ذلك كله ويجعلون (إذا) في الحديث ظرفاً لمحذوف هو مفعول (اعلم) بتقدير: (اعلم شأنك إذا كنت راضية ونحوه) هذا إذا كان الفعل مذكوراً فهو مردود كما تبين، فكيف بتقدير فعل غير موجود فهذا أولى بالرد.

وعند النظر إلى الرأي القائل: إن العامل هو (خافضة رافعة) فكأنه خلاف ما يقتضيه السياق إذ إن (خافضة رافعة) هي في الأصح عاملة لـ (إذا رجت الأرض رجاً)، ألا ترى المناسبة في تقابل الألفاظ، فـ (خافضة) كأنها تقابل الكلام على (الأرض) و (رافعة) كأنها تقابل الكلام على (الجبال) ثم إن في رج الأرض يرتفع ما عليها وفي بس الجبال ينخفض عاليها فنجد في كلا الآيتين انتقالة من الانخفاض إلى الارتفاع وهذا لا يلمح إذا قرن الرفع والخفض بـ (إذا وقعت الواقعة).

وأما القول بكون العامل ما دل عليه (فأصحاب الميمنة) بتقدير: بانت أحوال الناس ففيه نظر، لأن بيان احوال الناس وان كان على شكل العموم فهو في قوله (وكنتم أزواجاً ثلاثة) وأما قوله: (فأصحاب الميمنة) فما هو إلا توضيح لهذه الأزواج فهي جملة تابعة لما قبلها، كما يسوق المعنى ولما كانت الجملة السابقة (وكنتم أزواجا ثلاثة) ليست هي الجواب بلا خلاف، فالتابع لا يخرج عن مراد متبوعه. وربما القول: إن (إذا رجت) هي الجواب لا يستقيم من ناحية أن الظرفية التي تحملها (إذا) في (إذا رجت) واضحة، والقول بتكرارها لا مبرر له لو كانت (رجت) هي الجواب فما مناسبة تكرار (إذا)، حتى على عدها بدلاً من (إذا وقعت الواقعة) اما جعل (إذا) بدلا من (إذا) بلا صلتها التي تعطيها معنى جديداً لا يستقيم والفائدة من البدلية.

والرأي القائل إن عاملها هو شرطها ففيه نظر، ولكن الغريب أن كل من ذكر هذا الرأي أهمل الإشارة إلى جوابها، فمعلوم أن أسماء الشرط يعمل فيها شرطها لا جوابها، ولكن لم أجد أحداً ممن اخذ بهذا الرأي أشار أدنى إشارة إلى جواب (إذا) في هذه الحالة، والتي يتوجب هنا بلا خلاف اقتران جوابها بالفاء، إن لم يصلح للشرطية، كما توضح سابقاً، هذا مع العلم أن الأخذ بهذا الرأي يؤدي إلى سلب (إذا) عن إضافتها للجملة التي بعدها وهذا ما يعارضه الجمهور ومن ثم لابد من العودة إلى ما عليه الأكثرون وهو أن عاملها جوابها لا شرطها. ثم القول إنها صلة ووقعت الواقعة جواب لـ (إذا رجت الأرض) فيرد بأن ما الدليل على جعلها صلة وبخاصة إذا كانت هنالك آيات لم تأت معها (إذا) وقد ابتدأت بالفعل الماضي كقوله تعالى: ((اقتربت الساعة وانشق القمر)) وقوله: ((أتى أمر الله فلا تستعجلوه)) والسياق يقتضي (إذا) وبخاصة في قوله: ((أتى أمر الله .. )) فلم ذكرت (إذا) في الواقعة ولم تذكر في هاتين الآيتين؟، ولم لم تحذف في الواقعة كما حذفت هنا؟، بل إن لكل حرف معنى في القرآن لا ينبغي إهماله. وقد سبق الكلام على وقوع (إذا) مبتدأ و (إذا) في (إذا رجت) خبرها، كما مر الكلام على وقوعها مفعولاً به وبدلاً، ورد على ذلك الجمهور بل أنكروه على حد ما نقل السيوطي.

ثم الرأي القائل إن الجواب محذوف بتقدير: إذا وقعت كان كيت وكيت، فعدم التقدير أولى من التقدير، وإن المعنى للجواب يستشف من خلال قراءة الآيات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير