[رأي النحاة في تنوين جوار وقاض]
ـ[أبو أمجد]ــــــــ[21 - 03 - 2009, 09:32 م]ـ
قال الرضي في شرح كلام ابن الحاجب قوله: " ونحو جوار " أي المنقوص من هذا الجمع، اعلم أن الاكثر على أن " جوار " في اللفظ كقاض رفعا وجرا، وقد جاء عن بعض العرب في الجر جواري، قال الفرزدق: 35 - فلو كان عبد الله مولى هجوته * ولكن عبد الله مولى مواليا (2) وقال آخر: 36 - له ما رات عين البصير وفوقه * سماء الاله فوق سبع سمائيا (3)
وهي قليلة، واختارها الكسائي، وأبو زيد، وعيسى بن عمر، ولا خلاف في النصب أنه جواري وأنه غير منصرف.
ثم اختلفوا في كون جوار، رفعا وجرا، منصرفا أو غير منصرف.
فقال الزجاج (1): ان تنوينه للصرف، وذلك أن الاعلال مقدم على منع الصرف لان الاعلال سبب قوي، وهو الاستثقال الظاهر المحسوس في الكلمة، وأما منع الصرف فسببه ضعيف، إذ هو مشابهة غير ظاهرة بين الاسم والفعل، على ما تبين قبل، قالوا (2): فسقط الاسم بعد الاعلال عن وزان (3) أقصى الجموع الذي هو الشرط، فصار منصرفا.
والاعتراض عليه أن الياء الساقط في حكم الثابت بدليل كسرة الراء في: جاءتني جوار، وكسر الراء حكم لفظي كالمنع من الصرف، فاعتبار أحدهما دون الاخر تحكم، وكل ما حذف لاعلال موجب فهو بمنزلة الباقي، كعم وشج، والا كان كالمعدوم، كيد ودم، ومن ثم صرف جندل، وذلذل (4)، مقصوري جنادل وذلاذل.
وقال المبرد: التنوين عوض من حركة الياء، ومنع الصرف مقدم على الاعلال، وأصله: جواري بالتنوين ثم جواري بحذفها، ثم جواري بحذف الحركة ثم جوار، بتعويض التنوين من الحركة، ليخف الثقل بحذف الياء للساكنين.
وقال سيبويه (5)، والخليل: ان التنوين عوض من الياء، ففسر بعضهم هذا القول بان منع الصرف مقدم على الاعلال، فاصله: جواري بالتنوين، ثم جواري بحذفها ثم جواري بحذف الحركة للاستثقال ثم جوار بحذف الياء، لاستثقال الياء المكسور ما قبلها في غير المنصرف الثقيل بسبب الفرعية، وانما أبدل التنوين من الياء ليقطع التنوين الحاصل طمع الياء الساقطة في الرجوع، إذ يلزم اجتماع الساكنين لو رجعت.
والاعتراض عليه وعلى مذهب المبرد: أنه لو كان منع الصرف مقدما على الاعلال، لوجب الفتح في قولك: مررت بجواري، كما في اللغة القليلة، الخبيثة، وذلك لان منع الصرف يقتضي شيئين: حذف التنوين وتبعية الكسر له في السقوط وصيرورته فتحا، وأيضا يلزم أن يقال: جاء الجوار ومررت بالجوار عند سيبويه بحذف الياء، لان الكلمة لا تخف بالالف واللام، وثقل الفرعية باق معهما.
وفسر السيرافي (1)، وهو الحق، قول سيبويه بان أصله جواري بالتنوين والاعلال مقدم على منع الصرف لما ذكرنا فحذف الياء لالتقاء الساكنين، ثم وجد بعد الاعلال صيغة الجمع الاقصى حاصلة تقديرا، لان المحذوف للاعلال كالثابت، بخلاف المحذوف نسيا، كما ذكرنا، فحذف تنوين الصرف ثم خافوا رجوع الياء لزوال الساكنين في غير المنصرف المستثقل لفظا بكونه منقوصا، ومعنى بالفرعية، فعوض التنوين من الياء، بخلاف نحو: أحوى وأشقى، فانه قدم الاعلال في مثلهما أيضا، ووجد علة منع الصرف بعد الاعلال حاصلة، لان ألف أحوى المنون ثابت تقديرا، فهو على وزن أفعل، فحذف تنوين الصرف، لكن لم يعوض التنوين من الالف المحذوفة ولا من حركة اللام، كما فعل في جوار، لان أحوى، بالالف أخف منه بالتنوين، وأما جوار فهو بالتنوين أخف منه بالياء، والخفة اللفظية مقصودة في غير المنصرف بقدر ما يمكن، تنبيها بذلك على ثقله المعنوي بكونه متصفا بالفرعيتين، ألا ترى أنك تقول: خطايا، وبرايا، وأداوي بلا تنوين اتفاقا، لما انقلبت الياء ألفا في الجمع الاقصى.
وكل غير منصرف منقوص حكمه حكم جوار فيما ذكرنا، ويجئ فيه الخلاف المذكور، نحو قاض اسم امراة، وأعيل تصغير أعلى.
وإذا جعل هذا النوع أعني جوار وأعيل علما، فيونس يجعل حاله مخالفا لحاله في التنكير، وذلك بانه يقدم منع الصرف على الاعلال، فتبقى الياء ساكنة في الرفع، ومفتوحة في النصب والجر، نحو جاءتني جواري وقاضي وأعيلي، بياء ساكنة، ورايت جواريو قاضي وأعيلي، ومررت بجواري وقاضي وأعيلي بياء مفتوحة في الحالين. وانما قدم منع الصرف لان العلمية سبب قوي في باب منع الصرف، حتى منع الكوفيون الصرف لها وحدها في نحو قوله: فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في مجمع كما تقدم.
وأما عند سيبويه والخليل، فحال نحو جوار وأعيل علما كان أو نكرة سواء.
واعلم أنك إذا صغرت نحو: أحوى، قلت: أحي بحذف الياء الاخيرة نسيا، لكونها متطرفة بعد ياء مكسورة مشددة في غير فعل أو جار مجراه، كاحيي، والمحيي، وقياس مثلها الحذف نسيا كما يجئ في التصريف ان شاء الله تعالى، فسيبويه بعد حذف الياء نسيا يمنع الصرف لانه بقي في أوله زيادة دالة على وزن الفعل، وعيسى بن عمر، يصرفه لنقصانه عن الوزن بحذف الياء نسيا، بخلاف نحو جوار، فان الياء كالثابت بدليل كسرة الراء كما ذكرنا، فلم يسقط عن وزن أقصى الجموع.
والاولى قول سيبويه، ألا ترى أنك لا تصرف نحو: يعد، ويضع، علما وإن كان قد سقط حرف من وزن الفعل.
وأبو عمرو بن العلاء لا يحذف الياء الثالثة من نحو أحى نسيا، بل يعله إعلال أعيل، وذلك لان في أول الكلمة الزيادة التي في الفعل وهي الهمزة، بخلاف عطى تصغير عطاء، فجعله كالجاري مجرى الفعل، أعني المحيي، في الاعلال، فاحي عنده كاعيل سواء،
في الاعلال ومنع الصرف وتعويض التنوين من الياء كما ذكرنا.
وبعضهم يقول: أحيو، في تصغير أحوى كاسيود في تصغير أسود، كما يجئ في التصريف، ويكون في الصرف وتركه كاعيل، على الخلاف المذكور.