تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مقدمة كتاب جدلية الملفوظ والمحفوظ]

ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[18 - 03 - 2009, 11:50 م]ـ

ينتظم هذا الكتاب بعدان أحدهما المحفوظ والآخر الملفوظ. وأما المحفوظ فهو ما ثقفناه من تراث أجدادنا فاستكنَّ في ضمائرنا وصدرت عنه أفكارنا وهو ما اشتملت عليه خزائن المكتبة العربية التي ما تزال مصدرًا مرجعيًّا نقتات على منجزات مبدعيها ونقوّم بمعاييره إنتاجنا. وأما الملفوظ فهو ما نمارسه في نشاطنا الشفاهي وهو امتداد لذلك المحفوظ واتصال لأشكاله المختلفة، ولكنه آلة التعبير الحاضرة وصورة الاستعمال الشاهدة.

وإن كان المحفوظ يلقي بظلاله على حياتنا الثقافية اليوم بصفته مصدرًا لها ومنبعًا تنبجس عنه فإن الملفوظ هو الصورة الشاهدة لذلك المحفوظ فإذا بعض عناصر المحفوظ قد نالها مع الزمن التغير الذي يكشف عنه الملفوظ، وإذا بعض تلك العناصر متصلة يشهد باتصالها تحققها في الملفوظ أيضًا.

وإن كان المحفوظ يلقي بظلاله على الملفوظ فإنا نجد من يَرجعون البصر ملقين بظلال الملفوظ على المحفوظ فيعيدون تفسيره ويغيرون تأويله بما جدّ من تغير ثقافاتهم وما طرأ من أفكارهم وما انداحت إليه دوائر معارفهم، وربما احتدم الجدل في صلاحية نص من النصوص لكل زمان ومكان، ونوقشت مسألة سلطة النص، وما الحديث عن تداول معاني الشعر الذي عبر عن بعضه قديمًا بالسرقات وحديثًا باستلهام التراث أو ظهر بشكل معارضات إلا مظهر لهذه الجدلية بين المحفوظ والملفوظ؛ وقد يقال إن منا قدماء يعيشون في العصر الراهن أو معاصرون يعيشون في العصر القديم. ولكن الأمر الذي لا مرية فيه أن بين القديم والجديد جدلية مستمرة وبين المحفوظ والملفوظ جدلية قائمة.

وأول موضوعات الكتاب قضية مهمة تتناول كيفية استعمالنا للغة سواء أكانت اللغة المحفوظة أم اللغة الملفوظة بمستوياتها المختلفة من فصيحة أو لهجية، بل إن هذا ليتعدى العربية إلى غيرها من اللغات، ولكن همنا استعمال العربية. والناس في الغالب الأعم حين يستعملون اللغة إنما يستعملونها استعمالاً وظيفيًّا؛ فتؤدي أصواتها وكلماتها وتراكيبها أغراضهم تأدية وظيفية؛ إذ هم في استعمالهم اللغة بتلك الكيفية يستعملونها كالآلة المؤدية لغرضها المنجزة لعملها، أما مستعملها فإن أتقن وظيفتها فقد لا يفهم كنهها ولا يدرك أسرارها ولا يصل إلى جذورها، وهو وإن كان ماهرًا في استعمال اللغة من الناحية الوظيفية فإنه غير قادر على تحليل تراكيبها ومعرفة الأصول التي انحدرت منها، وهو أثناء استعماله اللغة لا يفكر في التحليل ولا تخطر له الأصول على بال، ويستوي في ذلك المستعمل العادي للغة وعالم اللغة المحلل لعناصرها، فهما أثناء الاستعمال التلقائي للغة يستعملونها استعمالا وظيفيًّا.

ومن أوضح مظاهر جدلية المحفوظ والملفوظ ما نجده في أشكال كتابة أسماء الناس إذ نجد الاسم له غير شكل من الأشكال في الرسم، وهذا التنوع مرده إلى أن المحفوظ والملفوظ يتعاوران التسمية فقد يرسم الاسم حسب مقتضيات المحفوظ من قواعد الرسم وقد يرسم حسب مقتضيات الملفوظ المسموع من جرس الاسم وصوته.

ومن أبرز أمثلة جدلية المحفوظ والملفوظ صوت (الضاد) الذي جعل رمزًا للعربية لما زعم من تميز نطقه أو صعوبة التلفظ به ولكنه على الرغم من أن تاريخه المحفوظ يذهب إلى تميزه عن (الظاء) إلا أن الملفوظ كما وصف في مدونة العربية وكما هو متحقق على الألسنة في بعض لهجات العرب يظهره شكلا من أشكال الظاء ولم يكن له أن يستقل بحرف ولكن المحفوظ من رسمه يجبرنا على متابعة رسمه وإن وافق في استعمالنا أصله المنزوع منه ولعل تغيره في لهجات أخرى تغيرًا ميزه عن أصله تمييزًا ظاهرًا من دواعي المحافظة على ذلك الرسم.

وأما الموضوع الثاني فهو درس لظواهر لغوية شفاهية مستعملة في لهجات الجزيرة اليوم ولكنها في حقيقة أمرها شواهد على اتصال تلك الظواهر منذ القدم فهي ظواهر عربية قديمة تشهد لقدمها مدونات التراث اللغوية.

وختمت هذا الكتاب بحكايات من نجد، وهي حكايات شفاهية المصدر ولكنها من محفوظ الناس اليوم توارثوا مضمونه وهو عند التأمل منحدر بعضه بشكل أو بآخر من أصول محفوظة في تراث العربية أو غيرها وهي أصول قديمة، وقد نال هذا الملفوظ شيء من التغير اليسير الذي يلائم البيئة التي اتصل نصه فيها.

ولعل في هذه الموضوعات الخمسة التي أودعتها في هذا الكتاب ما يكشف عن شيء من جدلية مستمرة بين المحفوظ والملفوظ.

ـ[أبو مالك النحوي]ــــــــ[19 - 03 - 2009, 04:16 ص]ـ

أستاذنا الكريم أبا أوس .. أسأل الله أن يبارك في علمك، ويزيدك من فضله ..

سنسعى للحصول على نسخة من الكتاب المذكور، لننهل مما جاء فيه بخصوص المحفوظ التراثي والملفوظ الشفاهي.

وفقك الله وبارك فيكم

ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[19 - 03 - 2009, 10:08 ص]ـ

أسعدك الله أخي أبا مالك النحوي ووفقك. وسأحاول قريبًا أن أجعل الكتاب على الشبكة إن شاء الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير