[مسألة تحيرني جدا جدا]
ـ[ضاد]ــــــــ[26 - 03 - 2009, 10:48 م]ـ
من المسائل التي تحيرني جدا والنحويين واللغويين قديما وحديثا ورود كثير من الأمثلة عن الاستعمالات اللغوية التي تُخالَف فيها القاعدة النحوية المستقرأة من غيرها, وهذه الأمثلة أكثر الأمثلة نقاشا وجدالا, ولم يسلم منها حتى القرآن الكريم. إن هذه الأمثلة تعود لعصر لم تكن العربية فيه كائنا صافيا, بل كانت متشكلة من عدة لغات اختلفت فيما بينها في مسائل واجتمعت في معظم النظام اللغوي, ولذلك حاول النحوين الربط بين تلك الأمثلة ولغات العرب القديمة من أجل تخريجها, وما هذا على المتخصصين بجديد. الجديد في المسألة هو فكرة "الاستعمال اللغوي بين الحرية واللحن". وهذه مسألة صعبة البحث حسبما أرى. إن الهامش بين الحرية واللحن أمثله باستعمالنا اليوم للهجات (بما أننا لا نتكلم الفصحى) حيث نجد حرية في التكلم بها وتطويعها لكل ما نريد التعبير عنه فنقدم ونؤخر ونفعل بالكلام كل ما تسمح به اللهجة المترسخة في عقولنا وفي ملكاتنا دون أن نحس أننا أخطأنا أو لحننا, وكذلك العربية الفصحى قديما مع أن الفارق كبير بسبب اختلاف النظام الفصيح عن اللهجات اختلافا كبيرا. لا شك أن العربية الفصحى كانت تسمح لمتكلميها في ذلك العصر بهذا الهامش من الحرية في ذاتها وهم كانوا يعرفون ذلك ويستغلونه بما أنهم هم أصحاب اللغة ومتكلموها وصانعوها إن جاز ذلك. والفرق بين استعمالنا للفصيحة اليوم واستعمال القدماء لها هو أن استعمالنا مقولب لا بد أن يوافق قالبا نحويا درسناه في المدرسة, ولذلك نجد استعمالنا لها مقيدا, عكس القدماء الذين كانوا يجدون الحرية التي نجدها اليوم مع اللهجات بما أنها هي لغاتنا الأم التي نفكر بها. وقد أشار الأستاذ الدكتور الشمسان إلى هذه المسألة في تحليله لإعراب آية الساحران فقال أن "إنَّ فيها توقف عملها فلم تعمل", ونحن نحاول أن نجد تفسيرا لذلك بالقول باللغات مع أن القرآن نزل نحوًا بلغة قريش ومعجما بلغات كثيرة كما هو معروف. إن إيقاف إنَّ عن العمل والنصب دون ناصب كما في الحديث المشهور المختلف فيه من المسائل التي أراها تدخل في هامش الحرية الذي ذكرته, وأعلم أن تحديد هذا الهامش من أصعب الأمور, وهذا الذي يحيرني, إذ أن الخط الفاصل بينه وبين اللحن دقيق جدا ويصعب وضعه. ماذا ترون في هذه المسألة المحيرة؟
ـ[د. أبو أسامة السامرائي]ــــــــ[26 - 03 - 2009, 11:24 م]ـ
أخي ضاد السلام عليكم
أسمح لي أن أقول إن الحرية التي تكلمت عليها عند متكلمي الفصحى القديمة تحتاج الى شيء من النظر فلست اتفق معك بأن العربية كانت على مستوى واحد في الخطاب، ولست آتي بجديد حينما أتكلم على اللغة العالية، لغة الشعر والخطب وما شابه ذلك، فاللحن لم يكن دخيلا مفاجئا على اللغة ولعلك اذا نظرت الى القوم وهم يأخذون اللغة بضوابط صارمة حددت أزمنة وأمكنة من دون ما سواها فإنما يدل ذلك على أن اللغة لم تكن متساوية من ناحية القبول والرفض وأنا من المؤيدين لوجود اللغة العالية عند قريش وهي نفسها لها لهجتها المحلية التي لا يحاسب مستعملها على كل تقلبات كلامه
المشكلة ان ما نقل من كلام العرب واء بالرواية أم بالمكتوب لم يكن من سبيل لهم إلا نقله بالفصيح والا قل لي بربك ما معنى أن يقول رؤبة لمن سأله كيف أصبحت: خيرٍ والحمد لله أليس هذا لحنا؟؟؟
ولعلنا حينما ندقق في النقل عن الأعراب نجد النحويين يقولون: سمعت أعرابيا فصيحا أو سمعت أعرابية فصيحة .. !!! ألا يشير ذلك إلى وجود أعراب غير فصحاء؟ وأعرابيات غير فصيحات؟
خذ مثالا: الهمز عند قريش تجده في كل أشعارهم مستعملا بلا تسهيل إلا ما ندر
في حين تشتهر قريش بالتسهيل حتى يكاد يقال أنهم لا يهمزون
من هذا أقول لم تكن الفصحى تسمح لمتكلميها بأي هامش من الخطأ إذا ما أرادوا الكلام باللغة العالية لغة الادب .... وإنما كانوا يعيشون ازدواجية في اللغة كالتي عندنا ولكنها لا تقف حيرى في البحث عن صحة التراكيب والألفاظ لما لديهم من ملكة فقدناها ..... وللحديث بقية ان شاء الله
ـ[ضاد]ــــــــ[27 - 03 - 2009, 12:59 ص]ـ
نعم, هو ذاك. ورغم وجود هذا الازدواج كما ذكرت, إلا أنهما فصيحان, بمعنى أنهما داخلان ضمن مساحة النظام اللغوي, وهذا من الحرية التي تكلمت عنها, أي أن تسمح اللغة ويسمح المتكلمون بها لأنفسهم بالتنقل عبر مستويات لغوية متعددة كلها داخلة ضمن اللغة, أي ليست لحنا ولا خطأ. وكما ذكرتَ لم يكونوا يرجعون إلى قواعد محفوظة كما نفعل نحن, بل إلى ملكة لغوية متجذرة في الفكر, وهم عمدة استعمالها, لما استقرئ من ذلك الاستعمال من بعد. وليست كل المشاكل المتصلة بهذه الحرية تنتمي إلى المستوى الأدنى, فلنا في القرآن الكريم وفي الحديث مسائل طال الخلاف فيها, ولم يستقر على رأي, وهي أراها من هامش الحرية في العربية. بوركت على التعقيب المفيد.
¥