الأول: قوله "ولا يجوز تقدير لا في الوجود إلا اللّه "ليس معنا في اللفظ إلاّ "لا" واحدة وهي عاملة. نعم إذا أعربناه على ما سبق بدلا نوينا تكرار لا، وانتفى عمل تلك المقدرة بالدخول على المعرفة. ومن أين لزوم التكرار لتلك المقدّرة. ولو قيل إنها تكررت في الجملة كان كافيا في جوابه.
الثاني: جعله باب "لا إله إلا اللّه "وباب "ما زيدٌ بشيءٍ إلا شيء"سواء. ولقائل أن يقول بينهما فرق، بأن "اللّه "مرفوع بدلا من منصوب.
وقد يعتذر له عن الثاني بأن "إلا اللّه "بدل من موضع اسم لا، لا من "لا"مع اسمها [45]. بل لا يفتقر إلى ذلك جميعه، فإن العامل المقدر مع البدل هو الابتداء، وهو صالح للعمل في البدل والمبدل منه، كما تقدم في كلام ابن عصفور.
وقد رأيت في المجد المؤثل مما كتبته على المفصّل [46] أن الرفع في "ما زيد بشيء إلا شيء"يحتمل [47] ثلاثة أوجه: إما البدل من جهة المعنى كما سبق، وإما على موضع "بشيء" قبل دخول "ما"، و إما على أن الرفع في الثاني هو الرفع في الأول، لو اتصف الأول بصفته من الإِثبات. وشبهت ذلك بمسألة التنزيل في توريث ذوي الأرحام في الفرائض [48]، أي إعطاء الذكر ما للأنثى التي أدلى بها [49]، وبالعكس، مع مراعاة العدد منه نفسه، فليتأمل.
ثانيها: أن خبر "لا"محذوف، كما سبق، والإبدال من الضمير المستكن فيه. وهذا لا كلفة فيه، واختاره بعض المتأخرين [50].
ثالثها: أن الخبر محذوف كما سبق، و"إلا اللّه "صفة لإله على الموضع [51]، أي موضع لا مع اسمها، أو موضع اسمها قبل دخول "لا".
ولا يستنكرون وقوع "إلا" صفة [52]، فقد جاء {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [53]. ويصير المعنى: لا إلهَ غير اللّه في الوجود. وقد جاء {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [54] بالوصف، لكنّ الخبر المحذوف قدّره بعضهم "في الوجود"، وقدّره بعضهم "كائن"، وبعضهم "لنا".
قيل والتقديران الأولان أولى من حيث كونه أدل على التوحيد المطلق من غير تقييد. ولذلك جاء {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وأعقب بقوله {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [55].
وقد يقال إذا قدِّر "لنا"فالمراد لنا أيها العالَم الذي هو كل موجود سوى اللّه عز وجل، فاتحدت التقادير [56].
وقد ردّ الإمام فخر الدين [57] على من قدر الخبر "في الوجود"لأن هذا النفي عام
مستغرق، فتقييده بالوجود مخصص، فلا يبقى النفي على عمومه المراد منه، فلا يكون هذا إقرارا بالوحدانية على الإطلاق [58].
قال الأندلسي [59]: "لا إله حقيقة إلا من له الخلق والأمر، لابد أن يكون موجودا فينعكس بعكس النقيض فما ليس موجودا ليس بإله. والمراد بقوله "في الوجود"مسمى الوجود الصادق على العيني والذهني، فنفي الإله عن الوجود نفي لحقيقته".
وفي ريّ الظمآن [60]: "لا يتصور نفي الماهية عندنا إلا مع الوجود. هذا مذهب أهل السنة، خلافا للمعتزلة فإنهم يثبتون الماهية عارية عن الوجود، والدليل يأبى ذلك".
رابعها: أن يكون الاستثناء مفرغا [61]، و"إله "اسم "لا"بني معها، و"إلاّ اللّه "الخبر [62].
و هذا منقول عن الشلوبين فيما علّقه على المفصل، ونقله عن الزمخشري [63] في حواشيه ابن عمرون، وإن كان في المفصل قال غيره، وذهب إلى أن الخبر محذوف [64].
ومقتضى كلام ابن خروف، على ما نقله عنه ابن الضائع قول الشاعر:
ألا طعان ألا فُرسانَ عاديةً ألا تجشّؤُكم حوَلْ التنَّانير [65]
من أنه أعرب (إلاّ تجشؤكم) خبر لا، لكن ردّه عليه بوجهين، أحدهما: أن "لا"لا تعمل في الموجب. الثاني: أنها لا تعمل في الموجب مع المعرفة، وهما لازمان لإعراب "إلاّ اللّه "خبرا.
وفي الوجهين نظر، لأنّ "لا "عند سيبويه وجمهور البصريين [66] لا عمل لها في الخبر إذا بني الاسم معها. وقولك لا رَجُلَ حاضرٌ، بمثابة: هل مِنْ رجلٍ حاضر؟ الجواب كالسؤال.
واستدل لذلك ابن عصفور في شرحه للإيضاح بجواز حمل جميع التوابع لاسمها على الموضع قبل الخبر.
والقائل إن "لا"ترفع الخبر الأخفش [67] وتابعوه.
وبنى ابن عصفور على الاختلاف جواز: لا رجلَ ولا امرأة قائمان. على القول
¥