تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[(وادكر) (مدكر) (غداءنا)]

ـ[سعيد بنعياد]ــــــــ[11 - 06 - 2010, 07:03 م]ـ

(وَادَّكَرَ) (مُدَّكِرٍ) (غَدَاءَنَا)

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

يقول أفقر العبيد إلى مولاه، سعيد بنعياد، لطف الله به:

-1 -

كثير من أبناء عصرنا يخطئون في قراءة هاتين الآيتين الكريمتين:

* قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف: 45].

* وقوله سبحانه: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر: 15، 17، 22، 32، 40، 51].

فهم يتوهمون أن (وادَّكَرَ) و (مُدَّكِر) تُلفظان بذال مُعْجَمة (منقوطة)، هكذا: (وَاذَّكَرَ) و (مُذَّكِر)، لا بدال مُهْمَلة (غير منقوطة).

وقد يتفلسف بعضُهم – وما أكثر المتفلسفين في عصرنا! – فيدّعي أن النقطة سقطت منهما سهوا عند طباعة المصحف الشريف.

وإنما يتوهمون ذلك، قياسا لهما على الفعل الأصلي (ذَكَرَ) وأكثر مشتقّاته الأخرى، ولا سيّما على صيغة (يَذَّكَّرُ) [بتشديد الذال والكاف] الواردة في القرآن الكريم.

-2 -

وصحيح أن الأصل في (ذَكَرَ) ومشتقاته الذالُ المُعْجَمة؛ نحو: (ذاكَرَ) و (ذَكَّرَ) و (تَذَكَّرَ) و (ذِكْر) و (ذِكرى) و (تذكير) و (ذاكِر) و (مُذَكِّر) وما شابه ذلك.

ومن أمثلة ذلك:

* قوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) [البقرة: 200].

* وقوله: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ) [الأحزاب: 35].

* وقوله: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) [الغاشية: 21].

-3 -

وتتأكد الإشارة هنا إلى (يَذَّكَّرُ) الواردة في القرآن الكريم، كما في هاتين الآيتين الكريمتين:

* في قوله تعالى: (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى) [الأعلى: 10].

* وقوله: (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) [الأنعام: 126].

فالأصل هنا (يَتَذَكَّرُ)، على وزن (يَتَفَعَّلُ)، ثُمَّ سُكِّنت التاء، وأُدغمت في الذال التي هي فاءُ الفعل، فصارا في النطق ذالا مشددة: (يَذَّكَّرُ)؛ إذِ الإدغامُ هو (النطق بحرفين كالثاني مُشدَّدا)، و (الثاني) هنا هو (الذال المُعْجَمة).

وإدغام (التاء) في (فاء الفعل)، في صيغتَيْ (تَفَعَّلَ) و (تَفاعَلَ)، وكذا فيما تصرّف منها من الأفعال والأسماء، يجوز إذا كانت (عيْنُ الفعل) أحد الحروف الاثني عشر الآتية، لقُرب مخارجها من مخرج التاء: ت – ث – ج – د – ذ – ز – س – ش – ص – ض – ط – ظ.

ونكتفي هنا بمثالين:

* قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) [المائدة: 6]؛ أصلُها: (تَطَهَّروا)، مِن (تَطَهَّرَ).

* وقوله: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا) [البقرة: 72]؛ أصلها: (تَدَارَأْتُمْ)، مِن (تَدَارَأَ)، ومعناها: تخاصمتم وتدافعتم.

-4 -

أما (ادَّكَرَ) و (مُدَّكِر)، فوزنُهما: (افْتَعَلَ) و (مُفْتَعِل)، من (ذَكَرَ). فكان الأصل فيهما: (اذْتَكَرَ) و (مُذْتَكِر)، بالذال المعجمة.

لكن ثمة قاعدة تقول:

إذا كانت فاء (افْتَعَلَ) دالاً أو ذالاً أو زايا، كما في (ادْتَعَى) و (اذْتَكَرَ) و (ازْتانَ)، مِنْ (دَعَا) و (ذَكَرَ) و (زانَ)، تُُبْدَلُ التاءُ دالا: (ادْدَعَى) و (اذْدَكَرَ) و (ازْدانَ)، ثم يُنظر إلى ما قبلها:

* فإن كان دالا، وجب الإدغام؛ هكذا: (ادَّعَى).

* وإن كان ذالا، ففيه ثلاث لُغات:

- أرجحُها: الإدغام؛ هكذا: (ادَّكَرَ)، بالدال المهملة.

- وثانيها: قلب الدال ذالا، ثم الإدغام؛ هكذا: (اذَّكَرَ)، بالذال المعجمة.

- وأضعفُها: الإظهار؛ هكذا: (اذْدَكَرَ). ومنعه سيبويه.

* وإن كان زايا، ففيه لغتان:

- أرجحُهما: الإظهار؛ هكذا: (ازْدانَ).

- وثانيهما: قلب الدال زايا، ثم الإدغام؛ هكذا: (ازَّانَ).

ويقاس على هذه الصيغ: ما تصرّف منها من الأفعال والأسماء.

-5 -

والخلاصة: أن (ادَّكَرَ) و (مُدَّكِر)، في قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) وقوله: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)، تُلفظان – في جميع القراءات الصحيحة المعتمدة – بدال مُهْمَلة (غير منقوطة)، لا بذال مُعْجَمة (منقوطة).

-6 -

وهذا يُذكِّرنا - والشيء بالشيء يُذْكَر - بكلمة (غَدَاءَنَا)، في قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لَفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا) [الكهف: 62]؛ إذ يتوهّم كثير من أبناء عصرنا أنها بالذال المُعْجَمة؛ ظنا منهم أنها مشتقّة من (التَّغْذِيَة).

والحق أن المقصود بـ (الغَدَاءَ) هنا: الطعام الذي يُتَناوَلُ وقت الغَدَاةِ (أول النهار).

فكلمةُ (غَدَاءَنَا) هنا تُلفظ– في جميع القراءات الصحيحة المعتمدة – بدال مُهْمَلة (غير منقوطة)، لا بذال مُعْجَمة (منقوطة).

وصلى الله على سيدنا محمد

وعلى آله وصحبه وسلَّم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير