تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وإرشاد لم يستكبروا أن يسجدوا لآدم، بعكس إبليس الذي عصى أَمْرَ ربه، كما يستدل عليه من قوله تعالى:) وإذ قلنا للملائكة: اسجُدوا لآدم فسَجدوا إِلاَّ إبليسَ أبى واستكبر وكان من الكافرين ((البقرة 2/ 34).

فالاستفهام المجازي يدل على السياق، وقد خرج إلى لطائف بلاغية جميلة وموحية؛ كما نجده في معنى التذكير الذي ينطوي عليه قوله تعالى:) أَلمْ يَجِدْكَ يتيماً فآوى ((الضحى 93/ 6) وغير ذلك من المعاني مما يدخل تحت هذا العنوان، (51) أو تحت عنوانات أخرى تجتمع في شاهد واحد، لأنه يؤوّل على غير معنى.

6 ـ الاستئناس والإفهام:

استعمل هذا الأسلوب في القرآن الكريم؛ وهو يجمع بين (الاستئناس) و (الإِفهام) معاً؛ لأنهما يرادان لذاتهما في شكل استفهامي مجازي لا يقصد منه الإجابة؛ لكنه يشي بجمالية عالية في الإيحاء. ويُفْهم من قوله تعالى:) ما تلك بيمينك يا موسى ((طه 20/ 17). فموسى كان يستأنس بعصاه ويستعملها لغاياته الخاصة؛ وحينما أَلقاها بأمر الله) فإذا هي حيَّةٌ تسعى ((طه 20/ 20) فَدبَّ الرعب في نفسه، فهَدَّأ الله روعه في قوله:) قال: خُذْها ولا تَخَفْ سنُعيدُها سِيْرتها الأولى ((طه 20/ 21) أي نُرجعهُا إلى مبدئها الذي عرفه موسى وهو العصا غير المؤذية؛ وإنما المؤنسة ... ومن ثم ليبيّن له الله أنه قادر على أن ينصره؛ ويفعل ما يشاء. فجمالية الاستئناس والإفهام تظهر في نَسقية السياق مراعاة لمقتضى الحال؛ أي أن السياق وحده قد أوضح أن الاستفهام المجازي في قوله) ما تلك ... (وهو وحده الذي يفرض التحليل الدلالي والبلاغي (52). فالسائل في الاستفهام الحقيقي يسأل عما يعلم وعما لا يعلم، ويحتاج إلى جواب؛ أما في الاستفهام المجازي فيتجه الكلام إلى استبطان الجواب في السؤال نفسه.

7 ـ التشويق:

التشويق من جنس الشَّوْق؛ وهو حمل النفس على النزاع إلى الشيء؛ وتهييجها إليه. ولهذا قد يأتي الاستفهام لجذب النفوس وشدها إلى أمر حدث من قبل؛ أو أمر يكون فيه خير، فيستعمل لتصور ذلك كله؛ كما في قوله تعالى:) يا أيها الذين آمنوا: هل أَدُلَّكُم على تجارةٍ تُنْجيكم من عَذابٍ أَليم ((الصف 61/ 10). فالمؤمنون يتشوقون إلى معرفة: ما التجارة التي تنجيهم بالسؤال (هل أدلكم)؟ ثم جاءت الآية التالية لتفسير تلك التجارة وإراحة النفس من عواطفها الفياضة وفضاءاتها الفكرية بقوله تعالى:) تؤمنُوْنَ بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأَنفسكم، ذلكم خَيْر لكم إنْ كنتم تعلمون ((الصف 61/ 11).

فالسياق في النص وحده من يكشف عن الجمالية الفنية للاستفهام المجازي، وكذلك نجده في قوله تعالى:) قال: يا آدمُ؛ هَلْ أَدُلك على شجرة الخُلدِ ومُلْك لا يَبْلى ((طه 20/ 120). فالشيطان وسوس لابن آدم وشوقه إلى شجرة الخلد بالسؤال (هل أدلك ... ). وهذا التشويق جعله يزلّ؛ ويتبع غواية الشيطان؛ فكان أن عصى ربه فأهبطه إلى الأرض.

ومن هنا تُصبح الرؤية الجمالية للإمام عبد القاهر الجرجاني أساس انبثاق رؤىً أخرى ... فالانسجام والتناسب بين عناصر الجملة يستندان إلى علاقة الجوار والاختيار التي تحقق شرف منزلة المعنى، فالألفاظ لا تتغير إلا بالتأليف أو ما سماه الجرجاني نظرية (النظم) (53).

8 ـ الأمر:

يخرج الاستفهام إلى أسلوب مجازي يسمى الأمر؛ فيزيده إيحاءً جمالياً، لأن المقصود ليس الاستفهام الحقيقي كما في قوله تعالى:) فهل أنتم منتهون ((المائدة 5/ 91) أي (انتهوا)، وقوله:) فهل أنتم مسلمون ((هود 11/ 14) أي (أسلموا) ... وهذا نحو قوله تعالى في آل عمران (3/ 20):) أَأَسلمتم؟ (أي (أَسلموا)؛ وكقوله تعالى:) وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله ((النساء 4/ 75) أي (قاتلوا في سبيل الله) (54). فالعبرة من هذا الاستخدام إنما هو في التركيب الذي يجسد أمراً غير حاصل وقت الطلب بأسلوب الاستفهام. ولهذا يصبح التركيب كالكلمة الواحدة؛ ما يكسبه جمالاً فريداً؛ وبلاغة موحية.

9 ـ النفي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير