تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[محمد سعد]ــــــــ[26 - 02 - 2008, 09:15 م]ـ

إذا سمحت لنا الأخت مايا بهذه الإضافة البسيطة:

" وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا " (فاطر: 12)

فقابل سبحانه بين العذب والملح، وبين الفرات والأجاج. والماء العذب هو الطيب البارد. والماء الملح هو الذي تغير طعمه، وإذا كان لا ينتفع به في شرب، فإنه ينتفع به في غيره. والماء الفرات ما كان مذاقه مستساغًا، يضرب طعمه إلى الحلاوة، بسبب انحلال بعض المعادن والغازات فيه. والماء الأجاج هو الماء الزُّعَاقُ، وهو المرُّ، الذي لا يطاق، ولا ينتفع به في شرب، ولا غيره، لشدَّة مرارته وحرارته، وهو من قولهم: أجيج النار.

فإذا عرفت ذلك، تبيَّن لك سر الجمع بين الملح، والأجاج في وصف ماء البحر؛ إذ لو اقتصر في وصفه على كونه ملحًا، كان مثل أي ماء يجري على التربة المتغيرة، ويستقر في أعماق الأرض. ولو اقتصر في وصفه على كونه أجاجًا، كان ماؤه فاسدًا، لا ينتفع به في شيء مطلقًا.

وكذلك جعل ماء المزن أجاجًا. والمزن هو السحاب الأبيض المثقل بماء المطر، وهو أنقى ماءوأعذب. ولئن اجتمع الإنس والجن بما أوتوا من قوة على أن يعيدوا هذا الماء بعد جعله أجاجًا إلى حالته الأولى، لعجزوا عن ذلك، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا.

ومن هنا كان جعل هذا الماء أجاجًا- أي: شديد المرارة والحرارة لوقته دون تأخير- أدلَّ على قدرة الله تعالى، من جعل الزرع حطامًا، وإن كان الكل أمام قدرة الله سواء. ويدلك على ذلك أن قوله تعالى:

" لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا "

قيل على طريقة الإخبار؛ لأن جعل الماء المنزل من المزن أجاجًا لوقته عقب المشيئة، لم يشاهد في الواقع؛ لأنه لم يقع، بخلاف جعل الزرع حطامًا؛ فإنه كثيرًا ما وقع كونه حطامًا بعد أن كان أخضرَ يانعًا، خلافًا لمن زعم خلاف ذلك. فلو قيل: جعلناه حطامًا، بإسقاط اللام؛ كما قيل: جعلناه أجاجًا، لتُوُهِّم منه الإخبار.

ويدلك على ذلك أيضًا أن دخول هذه اللام على جواب " لَوْ "، لا يكون إلا في الأفعال، التي لا يُتخيَّل وقوعها؛ كما في قوله تعالى:

" قَالُوا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا " (الأنفال: 31). أي: مثل القرآن.

" قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً " (فصلت: 14)

" وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ " (يس: 66)

" وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ " (يس: 67)

" وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ " (الزخرف: 60)

ونحو ذلك قوله تعالى:

" لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا "

فجعل الزرع حطامًا ممّا لا يتخيل وقوعه، وإن كان يقع؛ ولهذا قال تعالى عقِبه:

" فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ "

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[26 - 02 - 2008, 11:26 م]ـ

بارك الله فيك أستاذنا محمد سعد ..

ولا تحرمنا من مثل هذه الدرر ..

ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[26 - 02 - 2008, 11:38 م]ـ

السلام عليكم

بوركت على هذه المعلومات القيمة. واعلمي أن الكلمة لا توصف بالبلاغة ولكن الكلام يوصف بذلك.

والسلام

الأخ الفاضل أخابيط ..

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..

كلامك صحيح فلا نقول في الاصطلاح: كلمة بليغة .. ولكن! ألا تشاركني الرأي بأنّ لكلّ كلمة مع صاحبتها مقاماً، وارتفاعاً بشأن الكلام في الحسن، والقبول بمطابقته للاعتبار المناسب، وانحطاطه بعدمها؟ وإلا فكيف نفسّر قول القزويني في الإيضاح: البلاغة راجعة إلى اللفظ باعتبار إفادته المعنى عند التركيب!؟ وهذا الذي يبحثه الدكتور فاضل السامرائي في كتابه (بلاغة الكلمة في التعبير القرآني) .. ويبيّن فيه كيف أنّ كلّ كلمة في القرآن وُضعت وضعاً فنياً مقصوداً في مكانها المناسب ..

ـ[مايا]ــــــــ[27 - 02 - 2008, 06:36 ص]ـ

أستاذ لؤي ....

لقد شفيت ما في نفسي من إحباط ... فمنذ البارحة وأنا أبحث في هذا الموضوع .... وأتساءل أين قرأتُه!!! ....

إلى أن جئتني بالجواب الشافي ...

أشكرك جزيل الشّكر ...

شكرًا على كلّ شيء ...

ـ[مايا]ــــــــ[27 - 02 - 2008, 06:45 ص]ـ

جزاك الله كلّ الخير أستاذنا الرّائع محمّد سعد

لا حُرمنا هذا التّألّق ... إن شاء الله ...

فكلّ مقام عندك مقال ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير