بتصرف يسير من "جواهر البلاغة"، ص81.
ومن الخبر المراد به الأمر:
قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)
فالمعنى: وليتربص المطلقات بأنفسهن ثلاثة قروء.
يقول الشيخ العثيمين رحمه الله:
فقوله: (يتربصن): بصورة الخبر، والمراد بها الأمر، وفائدة ذلك تأكيد فعل المأمور به حتى كأنه أمر واقع يتحدث عنه كصفة لازمة من صفات المأمور.
بتصرف من مذكرة "الأصول من علم الأصول"، ص19.
وكذا في قوله تعالى: (والوالدات يرضعن)، فهو أمر لهن بالإرضاع.
وإليهما أشار ابن هشام، رحمه الله، بقوله: "وهذا الفعلان، أي: "يتربصن" و "يرضعن"، خبريان لفظا طلبيان معنى، ومثلهما: "يرحمك الله"، وفائدة العدول بهما عن صيغة الأمر التوكيد والإشعار بأنهما جديران بأن يتلقيا بالمسارعة، فكأنهن امتثلن، فهما مخبر عنهما بموجودين". اهـ
"شرح شذور الذهب"، ص102.
وهذا كقولك لطفلك: الكتاب في مكانه، فهو بمنزلة قولك: ضع الكتاب في مكانه، بل إنه أبلغ في الأمر، لأنه بمنزلة صيرورة المأمور أو المطلوب أمرا واقعا لا محالة، والله أعلم.
ومنه قولك: زيد رحمه الله، فهذا خبر أريد به الدعاء فالمعنى: اللهم اغفر لزيد، كما أشار إلى ذلك ابن هشام، رحمه الله، في كلامه السابق.
ومنه قوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ):
فهي أوامر في صيغة أخبار، فليس المقصود ذات الخبر، وإنما المقصود الأمر بمضمونه، فيكون المعنى: ولتعتد اللاتي يئسن من المحيض من نسائكم ثلاثة أشهر إن ارتبتم ......................... الخ، والله أعلم.
ومنه قوله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا)، فالمعنى: أخذنا ميثاقهم فأمرناهم ألا يعبدوا إلا الله، وأن يحسنوا إلى الوالدين، فكأن الأمر من لزومه صار في منزلة الواقع الموجود، كما تقدم.
ونظيره قوله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم)، فالمعنى: أخذنا ميثاقكم وأمرناكم ألا تسفكوا دماءكم، وألا تخرجوا أنفسكم من دياركم.
والآية، وإن كانت نزلت في حق بني إسرائيل، ابتداء، إلا أن العبرة، كما تقرر في علم الأصول، بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فنحن مخاطبون بها، فقد خاطبنا الله، عز وجل، خطاب المترفق بمخاطَبِه، فنزل أمره منزلة الموجود حسا، فالظن بكم أنكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم، كما يقول الشيخ لطلابه: أنتم لا تقصرون في دراستكم، وهو يضمن كلامه معنى الأمر، أي: لا تقصروا في دراستكم، ولكنه لما أراد التلطف معهم في الخطاب أورد الأمر في صيغة الخبر، فكأنه يقول: مثلكم لا يتصور منه التقصير في دراسته فالظن بكم الجد والاجتهاد، خلاف ما لو أمرهم مباشرة، فهذا مظنة سوء ظنه بهم وأنهم لا يقومون بما عليهم خير قيام، والله أعلم.
ومنه أيضا:
قوله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)، فإما أن يكون خبرا، على أصله، بنفي جنس الريب عن الكتاب المنزل، وإما أن يكون خبرا أريد به الإنشاء، فيؤول المعنى إلى: لا ترتابوا فيه.
وإلى ذلك أشار الشيخ الشنقيطي، رحمه الله، في "دفع إيهام الاضطراب" بقوله:
"قوله تعالى: {لا رَيْبَ فِيهِ} هذه نكرة في سياق النفي ركبت مع لا فبنيت على الفتح. والنكرة إذا كانت كذلك فهي نص في العموم كما تقرر في علم الأصول , و {لا} هذه التي هي نص في العموم هي المعروفة عند النحويين بـ (لا) التي لنفى الجنس , أما (لا) العاملة عمل ليس فهي ظاهرة في العموم لا نص فيه , وعليه فالآية نص في نفي كل فرد من أفراد الريب عن هذا القرآن العظيم , وقد جاء في آيات أخر ما يدل على وجود الريب فيه لبعض من الناس كالكفار الشاكين كقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} , وكقوله: {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} , وكقوله: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ}.
¥