ثم يأخذ السكاكي بعد ذلك يوضح الموضوعات التي سيتناولها الخبر أو الجملة الخبرية وهو الإسناد الخبري والمسند إليه والمسند والفصل والوصل والإيجاز والإطناب وتراه دائما يعلل لتأخير كل موضوع عن سابقه، فكل شيء يوضع بقسطاس، ثم يفصل الحديث عن الإسناد الخبري واختلافه باختلاف أحوال السامع بحيث إذا كان خال الذهن لم يؤكد له وإذا كان طالباً له في تحيير أكد بمؤكد واحد وإذا كان منكراً أورد عليه مؤكداً بتاكيدين أو أكثر ويسمى الخبر في تلك الأحوال على الترتيب ابتدائياً وطلبيا وإنكاريا، وقد ناقش الشيخ عبد القاهر هذه الصورة وطبقها الزمخشري في كشافه وكان الجديد عند السكاكي هو إعطاء تلك المراتب مصطلحاتها البلاغية الأخيرة ()
يقول السكاكي: (والذي أريناك إذا أعملت فيه البصيرة استوثقت من جواب أبي العباس للكندي حين سأله قائلاً: إني أجد في كلام العرب حشواً يقولون عبد الله قائم ثم يقولون إن عبد الله قائم، ثم يقولون: إن عبد الله لقائم، والمعنى واحد، وذلك بأن قال: بل المعاني مختلفة، فقولهم عبد الله قائم، إخبار عن قيامه، وقولهم إن عبد الله قائم جواب عن سؤال سائل، وقولهم إن عبد الله لقائم جواب عن إنكار منكر قيامه ()
ويخرج إلى أحوال المسند إليه في مبحث مفصل كبير يتحدث فيه عن حذف المسند إليه وذكره وتعريفه ووصفه وتنكيره وتقديمه على المسند وتأخيره عنه وتخصيصه وقصره والمقتضيات البلاغية لذلك كله ()
وينتقل إلى المسند وتصوير الاعتبارات في كيفياته محذوفاً ومذكوراً ومفردا وجملة، فعلية أو اسمية، أو منكراً أو معرفاً أو مقيداً بقيد، أو مقدما أو مؤخرا أما حذفه، فإما لأن حالا سد مسده وإما قصدا للاختصار والاحتراز عن العبث كقوله تعالى: (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ [الحج/72] إذا حملته على تقدير النار شر من ذلكم ()
ويذكر إما لأنه الأصل ولا مقتضى للعدول عنه، وإما لزيادة التقرير أو التعريض بغباوة السامع، أو قصد التعجب من المسند إليه بذكره كما إذا قلت زيد يقاوم الأسد مع دلالة قرائن الأحوال، أو لتعظيمه أو إهانته او غير ذلك مما يصلح للقصد إليه ()
ويكون المسند اسما للدلالة على الثبوت كقولك: (زيد عالم) ويكون فعلا للدلالة على التجدد والاستمرار كقولك، زيد علم ويقيد بالمفعولات والحال والتمييز والشرط لتربية الفائدة.
ويعقد السكاكي فصلا للفعل ومتعلقاته في الترك والإثبات، أو في الحذف والذكر، ويبدأ بحذف الفعل في بعض الصيغ، وفي الجواب عن السؤال ويقول إنه يذكر للحاجة إليه في الكلام، ويقف عند حذف المفعول قصدا للتعميم، أو إلى نفس الفعل أو قصدا إلى الاختصار أو لرعاية الفاصلة، ويقول إنه يذكر لفائدة تمام الكلام أو لزيادة تقريره وبسطه، أو لرعاية الفاصلة، ويطيل الوقوف عند تقديم الفاعل مع الفعل مثل، أنا عرفت، وأنت تعرف، وإفادة التقديم الاختصاص ()
ثم ينتقل السكاكي إلى الفصل والوصل، ويذكر صوره من النثر والشعر ويأخذ في تفصيل الحالات المقتضية للقطع والاستئناف، ولكمال الانقطاع، وكمال الاتصال، ويلاحظ انه يقطع للاحتياط حين يخشى أن يتبادر إلى ذهن السامع، أن الجملة معطوفة على أخرى من شأنها إذا عطفت عليها أن يفسد المعنى، ويأتي بأمثلة كثيرة لشبه كمال الاتصال، وهو في كل ذلك يستمد من الإمام عبد القاهر والزمخشري ()
ويفتح بابا للإيجاز والإطناب يستهله بأنهما نسبيان فقد يكون ظاهر الكلام مطنباً وهو موجز، بالقياس إلى كلام أخر، ومن هنا رد الاعتبار فيهما إلى المتعارف في أوساط الأدباء، وذكر أمثلة للإطناب والإيجاز ()
ثم ينتقل بعد ذلك إلى القصر ويقول، إنه تخصيص موصوف بوصف دون ثان مثل زيد شاعر لا منجم، تقوله لمن يعتقد أنه شاعر ومنجم، كذلك لمن يعتقد أنه يتصف بأحد الوصفين دون تعيين ويسمى قصر إفراد، وإذا قلت لمن يعتقد في زيد العكس، وأنه منجم لا شاعر كان ذلك قصر قلب، لأنك قلبت فيه حكم السامع وتحدث عن طرق القصر، وذكر أنها أربعة: العطف بلا وبل والنفي والاستثناء والتقديم، ويذكر أن دلالة الطرق الثلاثة الأولى على القصر بالوضع أما دلالة التقديم فبوساطة الفحوى وحكم الذوق، ويأخذ في بيان فروق استعمال هذه الطرق، مستنيراً بما كتبه الإمام عبد القاهر والعلامة
¥