تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

((مثل القائم في حدود الله و الواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها و بعضهم أسفلها , و كان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم. فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً و لم نؤذِ من فوقنا! فإن تركوهم و ما أرادوا هلكوا جميعاً , و إن أخذوا على أيديهم نجوا و نجوا جميعاً)).

المجتمع سفينة تسير بركابها المختلفين صلاحاً و فساداً , و فكراً و سلوكاً , و لكن تجمعهم سفينة واحدة و تسير بهم جميعاً في طريق واحد ... إنها تقطع بهم بحر الدنيا .... فهم إلى مصير واحد متجهون و إن كانوا مختلفين ...

لقد أخذ كلٌ من هؤلاء الركاب مكانه من السفينة برضاه بعد الاستهام و الاقتراع , فكان بعضهم في أعلاها , و هؤلاء يكونون على الأطراف في موقع جيد نشيط مشرف قريب من الماء , و كان بعضهم في أسفلها , و هؤلاء يكونون في وسط السفينة بعيدين عن الماء لا يتمتعون بما يتمتع به إخوانهم من الأشراف و النشاط.

و حاجة كلٍ إلى الماء حاجة فطرية لا يستطيع أن يستغني عنها , و كان هؤلاء السفليون إذا أرادو الماء يضطرون إلى أن يمروا على من فوقهم يستأذنونهم ليصلوا إلى الماء فيأخذوا منه حاجتهم , و لمّا طال عليهم الأمد أصاب سكان الأعالي أذىً من المرور المتكرر عليهم , و يظهر أنهم كانوا يتعرضون لقطرات من الماء تنصبّ عليهم أو على أمتعتهم في الصعود أو النزول ... فأظهروا تبرمهم و استنكارهم لهذا الفعل و حصلت خلافات و مناقشات ...

و لاحت فكرة لسكان أسفل السفينة فأعجبتهم. قالوا: لماذا نُتعب أنفسنا و رفاقنا و الماء ههنا تحتنا على ضربة معول لا تحتاج إلى أكثر منها؟ و أعربوا عن فكرتهم هذه قائلين:

لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً حتى لا نوذي من فوقنا. قصدٌ دافعه طيب و هو عدم إيذاء شركائهم في السفينة.

و سمع أهل السفينة هذا القول ... فاُذهل عقلائهم و استنكروا مثل هذا التفكير , و ليس من شكٍ في أنهم منعوهم بالقوة من تنفيذ فكرتهم و لم يقبلوا حجتهم التي تزعم أنّ تصرفهم كائنٌ في نصيبهم ... صحيح أنه في نصيبهم .. و لكن التضامن بين ركاب السفينة قائم شاؤوا أم أبوا ... فالخرق خرقٌ هدام مميت في أي موضع كان من السفينة سواء كان في هذا الموضع أو ذاك ... في موضعك أنت أم في موضع خصمك الذي تكرهه و لا تطيق رؤيته ...

فإن تركوهم و ما أرادوا , و قبلوا حجّتهم , و أرادوا لهم أن يمارسوا حريتهم الشخصية هلكوا جميعاً , و إن منعوهم من هذا العمل الإجرامي و أخذوا على أيديهم نجوا و نجا أولئك الذين هموا بالفعل أيضاً ...

و المجتمع فيه ناس في منازل متعددة ... و في اتجاهات مختلفة , فيه فسّاق يرتكبون المعاصي و يقترفون المنكرات , و فيه صالحون يقيمون حدود الله و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر ... و إذا كان وجود الفريق الأول من العصاة أمراً لابد منه لِما رُكّب في الفطرة البشرية من الضعف و التعرض للخطأ و الزلل فإن وجود الفريق الثاني من الصالحين الأمّارين بالمعروف النهّائين عن المنكر ضرورة ماسة.

فإن لم يوجد هذا الفريق تقوّض المجتمع و ذهب ريحه , لأنّ المفسدين لا يجدون من يأخذ على أيديهم .... إنهم يخرقون سفينة المجتمع و لا يلقون من يصدهم عن ذلك .... و في ذلك دمار المجتمع.

إن المعاصي خروق تعرّض حياتنا إلى الدمار و الضياع , و إنّ الصالحين و إنْ لم تكن لديهم الوسائل التي يستطيعون أن يأخذوا بها على أيدي المفسدين لم يحققوا المهمة التي تصون المجتمع من الانهيار فيتعرضون للنقمة ... ذلك لأن آثار المعاصي و المخالفات لا تقتصر على العصاة بل تشمل الأمة كلها , و تنال فيما تنال أولئك الساكنين الذين رأوا أسباب الانهيار و لم يقفوا ضدها.

و تدل هذه الصورة العظيمة على أنّ الحرية الفردية ليست مطلقة , بل هي محودة بمصلحة الأمة , فليس المرء حراً في أن يصنع ما يشاء من المعاصي , لأنّ ذلك سيعرض كيان الأمة إلى الهدم و الانهيار , كما تدل على أنّ فائدة الإنكار إنما تتحقق إذا كانت قبل استفحال المعاصي و شيوعها و ذيوعها ... أمّا إذا عمّت و شاعت كان الخرق ثم الغرق و لا ينفع في تلك الساعة النصح و لا يُجدي الإنكار.

ـ[أنس بن عبد الله]ــــــــ[24 - 05 - 2008, 09:55 م]ـ

عن أبي هريرة: r قال: قال رسول الله:=:

((مثل الذي يستمع الحكمة و يتّبع شرّ ما سمع كمثل رجل أتى راعياً فقال: احرز لي شاة من غنمك.

فقال: اذهب فخذ بأُذُن خير شاة.

فذهب فأخذ بأُذُن كلب الغنم)) ... !

في حياة الناس أفراد جُبلوا على الشر , لا يستطيعون سلوك سبيل الخير و لا التزام قواعد الخلق الكريم , يستمع الحكمة فيتّبع شر ما سمع ...

... تتلى عليه آيات القرآن فيتولّى غير سبيل المؤمنين .... هؤلاء الأشرار موجودون في الناس , و قد مثّل رسول الله:= للواحد منهم بهذه القصة السريعة التي كانت موقفاً غريباً أعظم الغرابة .... إنسان يأتي راعياً فيطلب منه شاة من غنمه و يبدو أنه جائع ... و كان ذاك الراعي كريماً فقال للسائل: اذهب فخذ أحسن شاة تعجبك من هذا القطيع.

سمع هذا الكلام ... و ذهب و لكنه أخذ كلب الغنم .... ! أخذ شيئاً لا ينفعه ... أخذ شرّ ما في القطيع , و هكذا نرى في حياتنا ناساً لا يستجيبون للحق بل يحملهم سماع الحق على سلوك طرق الباطل ...

إنها قصة تمثل لنا حماقة هؤلاء الضالين , و عدم انتفاعهم من حواسهم ... سمعوا و كأنهم لم يسمعوا ....

و نقف قليلاً عند أحد التعبيرات في هذا الحديث:

فقوله:= على لسان الراعي: اذهب فخذ بأذن خير شاة مثل لإيثار النبي:= التعبير بالصور الحسية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير