فلما غلبها يعقوب قالت: فدعه عندي أياماً أنظر إليه، لعل ذلك يسليني عنه. ففعل ذلك يعقوب؛ فلما خرج يعقوب من عندها عمدت إلى منطقة إسحاق فحزمتها على يوسف تحت ثيابه وهو صغير، ثم قالت: لقد فقدت منطقة إسحاق فانظروا من أخذها. فالتمست فلم توجد؛ فقالت: اكشفوا أهل البيت. فكشفوهم، فوجدوها مع يوسف؛ فقالت: والله إنه ليسلم لي أصنع به ما شئت - وكان ذلك حكم أهل آل إبراهيم في السارق - فأتاها يعقوب، فأخبرته بذلك؛ فقال: إن كان فعل ذلك فهو يسلم إليك، ما أستطيع غير ذلك.
فأمسكته بعلة المنطقة، فما قدر يعقوب عليه حتى ماتت، فهو الذي قال له إخوته: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل. قالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين، قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذاً لظالمون، فلما استيئسوا منه خلصوا نجياً أي يتناجون قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين، ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين.
قال: ثم تشاوروا فقالوا: إن هذا الملك وأهل مصر كفرة يعبدون الأصنام فتعالوا نتظاهر عليهم.
قال روبيل: أنا أكفيكم الملك وأعوانه.
وقال شمعون: أنا أكفيكم أمر العزيز وأعوانه.
وقال يهوذا: أنا أكفيكم الأسواق.
فعلم يوسف بذلك، فأحضرهم وقال: يا بني يعقوب، ما الذي غركم مني? أحسنت إليكم مرة بعد مرة، وتفضلت عليكم، وجنى أخوكم جناية فتشاورتم في هلاك المدينة وأهلها، أتظنون أن القوة لكم دون غيركم? ثم ضرب برجله السدة التي كان عليها فطحطحها وكسر صفائح رخامها؛ ثم قال: لولا أنكم من أولاد الأنبياء لصحت بكم صيحة تخرون على أذقانكم. قال: وكان يهوذا قد عزم على أن يفعل شيئاً، وكان على كتفه شعرة إذا غضب خرجت من جبته فيقطر منها الدم، ثم يصيح صيحة فلا يسمعها أحد إلا سقط مغشياً عليه؛ وكان لا يسكن غضبه إلا أن يمسه أحد من آل يعقوب؛ فدعا يوسف بابنه منسا وقال: اذهب إلى ذلك الكهل فمسه بيدك، وتنح عنه من حيث لا يشعر بك. ففعل ذلك، فسكن غضبه؛ فقال يهوذا لإخوته: من الذي مسني منكم فقد سكن غضبي. قالوا: لم يمسك غير ذلك الصبي. فقال: والله لقد مستني يد من آل يعقوب.
فلما عسر عليهم ما عزموا عليه، عزموا على العود إلى أبيهم، وتركوا روبيل عند بنيامين.
قال: فلما انصرفوا دخل يوسف إلى منزله وأحضر بنيامين، وقال: أتعرفني? قال: نعم، أنت العزيز، والله ما سرقت، فلا تعجل علي، فإنك موصوف بالإحسان. فضمه يوسف إلى صدره، وقال له: أنا أخوك يوسف. ثم كساه وسأله عن أبيه، فأخبره بما يقاسيه من أجله.
قال: ورجع إخوة يوسف إلى أبيهم فذكروا ما كان من خبر بنيامين، وأن روبيل أقام عنده.
قال: وكيف يسرق ولدي وهو من الذرية الطيبة? فقالوا له: واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون، قال بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً إنه هو العليم الحكيم، وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم إلى قوله: ما لا تعلمون.
قال: وأخذ في البكاء حتى ضجر منه جيرانه، فأوحى الله إليه: أن كف عن بكائك فإني سأرد عليك بصرك، وأجمع بينك وبين ولدك. فسكن وهدأ، ثم قال لبنيه: احملوا كتابي إلى العزيز. ودعا بابنته دينة وقال لها: اكتبي، باسم إله إبراهيم، من يعقوب إلى عزيز مصر، إن الله أكرمني بولد كان أحب أولادي إلي وفقدته وبكيت عليه حتى عميت، وكنت لآنس بأخيه بنيامين الذي حبسته عندك؛ وعجبت من أمر الصواع؛ فإن أولاد الأنبياء لا يفعلون ذلك، وإنه مكذوب عليه؛ فإذا أتاك كتابي هذا فتفضل علي بولدي ورده علي فإني أدعو الله أن يزيدك فضلاً وكرامة.
وسلم الكتاب إليهم، وقال: يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيئسوا من روح الله الآية.
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[01 - 04 - 2008, 05:49 م]ـ
دخولهم في الدفعة الثالثة:
¥