تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال: وساروا حتى دخلوا مصر، فاستقبلهم روبيل ودخل معهم، فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين؛ وناولوه الكتاب؛ فقبله وقرأه، ثم قال لهم: لو كنتم حملتم إلي هذا الكتاب قبل اليوم دفعته لكم، ولكني قد ألقيت حديثه إلى الملك، وأنا أكلمه فيه.

حديث الصاع قال: ثم أمر يوسف بإحضار الصاع بين يديه وقال: اجتمعوا حتى أسأل هذا الصاع عنكم. فنقر الصاع فطن، فقال: يا بني يعقوب، إن هذا الصاع يقول: إنكم تشهدون بالزور؛ وإنكم كذبتم في قولكم: إن الذئب أكل أخاكم.

قالوا: ما شهدنا بالزور قط، وما قلنا في يوسف إلا الحق. فنقر الصاع وقال: أتدرون ما يقول? إنه يقول: إنكم حسدتم أخاكم، وأخرجتموه من عند أبيه وأردتم قتله، ثم ألقيتموه في الجب المظلم البعيد القعر. ثم نقر ثالثاً وقال: إنه يقول، ما كذبتك فيما أقول، ولقد أخرجوا أخاهم من الجب فباعوه بعشرين درهماً عدداً تنقص درهماً، وأوصوا مشتريه أن يقيده حتى يبلغ أرض مصر. فتغيرت وجوه القوم، وقالوا: ما نعرف شيئاً من هذا. ثم نقره رابعاً وقال: إنه يقول: وكتبوا كتاب البيع بخط يهوذا. فقال: أيها العزيز، إني لم أكتب شيئاً وأنكره. فقال: مكانكم حتى أعود إليكم. ودخل على زليخا وقال: هاتي تلك الصحيفة.

فأخرجتها له؛ فأخرجها إلى يهوذا وقال: أتعرف خطك? قال: نعم. فألقاها إليه فرآها وهي خطه؛ فقال: هي خطي، " غير أني لم أكتبه باختياري، وإنما كتبته على عبد أبق منا ".

فغضب يوسف وقال: ألستم تزعمون أنكم من أولاد الأنبياء، ثم تفعلوا مثل هذا.

ثم قال لأعوانه: انصبوا عشرة أشجار على باب المدينة حتى أضرب أعناق هؤلاء وأصلبهم؛ وأجعلهم حديثاً لأهل مصر. فبكوا وقالوا: اقتلنا كيف شئت ولا تصلبنا.

وأقبل بعضهم على بعض وقالوا: هذا جزاؤنا بما عاملنا به أخانا. فلما أقروا كلهم بالذنب، رفع التاج عن رأسه، وقال: هل علمتم مل فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون، وكان في رأسه شامة مثلها في رأس يعقوب؛ فلما نظروا إلى الشامة عرفوها وقالوا: ءإنك لأنت يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إلى قوله: وهو أرحم الراحمين.

فعمد يوسف إلى قميصه، وجعله في قصبة من فضة؛ ودفعه إلى يهوذا وخلع عليهم وطيبهم، وقال: اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً وائتوني بأهليكم أجمعين. فخرجوا، وسبقهم يهوذا بالقميص. قال الله تعالى: " ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ".

قال: لما فصلت العير من أرض مصر حملت الريح رائحة القميص فشمها يعقوب، فقال ذلك. ومعنى تفندون أي تكذبون. فقال له أهله: - وقيل بنو بنيه - تالله إنك لفي ضلالك القديم، معناه في حبك القديم ليوسف.

فلما وصل يهوذا بالقميص ودخل على يعقوب ألقاه على وجهه وقال: خذها بشارة. فعاد بصره من ساعته، وخر ساجداً لله. قال الله تعالى: " فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيراً " الآية.

وجاء بنوه وقالوا: يا نبي الله، نحن الذين غيبنا يوسف عنك، ونحن الذين تيناك بخبره وهو عزيز مصر. ثم قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين، قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم.

قال: وجاءه جبريل بناقة من نوق الجنة، فاستوى عليها، وخرج من أرض كنعان يريد مصر ومعه أولاده وأهله، وهم ثمانية وسبعون إنساناً، فدعا لعم يعقوب فما دخل أولاده مصر إلا وقد غفر لهم؛ وخرج يوسف لملتقى أبيه ومعه خلق كثير فلما رآه يوسف ترجل عن فرسه وأبرك يعقوب ناقته، واعتنقا وبكيا، وقال يوسف: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين.

قال الله تعالى: " ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً "يعني الأب والخال، " وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزع الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم ".

قال: وكان بين مفارقته ووقت الاجتماع أربع وثلاثون سنة.

وقال الحسن: كان بين خروج يوسف إلى يوم الالتقاء معه ثمانون سنة لم تجف عيناه.

وأقام يعقوب بمصر أربعين سنة. وقيل: أربعاً وعشرين سنة؛ ثم أمره الله أن يرتحل إلى أرض كنعان لاقتراب أجله؛ فارتحل ومات هناك، ودفن إلى جانب أبيه إسحاق.

وحكى الثعلبي - رحمه الله - أن يعقوب مات بمصر، وأوصى يوسف أن يحمل جسده إلى الأرض المقدسة حتى يدفنه عند أبيه إسحاق وجده إبراهيم؛ ففعل ذلك، ونقله في تابوت من ساج إلى البيت لمقدس، وخرج معه في عسكره وإخوته وعظماء أهل مصر، ووافق ذلك اليوم وفاة عيصو، فدفنا في يوم واحد، وكان عمرهما جميعاً مائة سنة وسبعاً ولأربعين سنة، لأنهما ولدا في بطن واحد، وقبرا في قبر واحد.

ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[01 - 04 - 2008, 05:52 م]ـ

زواجه من زليخا:

يقال: إن زليخا أصابها من الحاجة ما أصاب غيرها، وابتاعت الطعام بجميع مالها، وبقيت منفردة، فلم تجد بداً من التعرض ليوسف، فقعدت على طريقه وإذا هو قد أقبل في مواكب عظيمة، فقامت وقالت:

يا يوسف، سبحان من أعز العبيد بالطاعة، وأذل السادات بالمعصية، أنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك من أولاد النبيين.

فسألها يوسف. من أنت!؟

فقالت: زليخا؛ وبكت وذكرت حاجتها إلى الطعام؛ فصرفها إلى منزلها، ورد عليها أملاكها وأموالها، وبعث لها بمال جزيل وطعام كثير؛ ثم استأذن الله تعالى في زواجها؛ فأذن له؛ فتزوجها، ورد الله عليها حسنها وجمالها؛ فلما دخل عليها وجدها بكراً؛ فعجب من ذلك؛ فقالت: يا نبي الله " والذي هداني إلى دينك ما مسني ذكر قط، وما قدر علي العزيز ".

فيقال: إنه رزق منها عشرة أولاد في خمسة أبطن.

وقد حكى الثعلبي أن العزيز قطفير لما هلك بعد عزله زوج الملك يوسف بامرأته زليخا، وسماها الثعلبي في كتابه: راعيل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير