تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يعطينا هذا المدلول لكلمة الغلق و مع مجيء الغلق بإحكام، إن هذه الآية الكريمة تجعلنا نعيش في أجواء المشهد النهائي الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من ساعة الصفر التي كانت تعد لها امرأة العزيز العدة ثم قال عز وجل (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) وأشعرته بهذه الكلمة كـ مقدمة لمباشرة الفعل.

وجاء الرد المباشر على لسان يوسف عليه السلام (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) فا نّظُر إلى كلمة الله و ربي كان لهما من التوظيف في الموقف ما لا يخفى على ذي عقل وهذا الرد الذي قابلها به يوسف كان مصحوبًا بسرد ألاءِ الله ونعمه عليه ولربه العزيز الذي أكرمه و أحسن مثواه واختصر في جملة قصيرة جامعة أشار فيها للمرأة إشارة الناصح الأمين بقوله إنه لا يفلح الظالمون وهنا يعطينا السبب لرفض يوسف والمتمثل في عفة يوسف وطهارته وحفظ فضل الإنعام لله عز وجل ولربه الذي أكرمه وأحسن مثواه ثم قال الله عز وجل (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِه) وهنا بيت القصيد وبناء على البحث السابق في الإرادات في قصة العبد الصالح و موسى عليه السلام قلنا الفعل الإرادي يتكون من السبب و القدرة و الاستطاعة وقلنا إذا فقدت الاستطاعة يسمى (هم) و إذا انتقل صاحبه إلى مباشرة الفعل بسبب و القدرة فقط يطلق على الفعل (هم بـ) والسؤال الذي يجب أن نقف عنده هو هل يوسف هم كهمها أم كان الهم من نوع أخر؟ نقول أن يوسف عليه السلام كان عنده السبب والمتمثل في العفة والطهارة وهو فاقد الاستطاعة على أن يوقف هذه المرأة التي بلغت قمة عزمها وثورتها التي أصبح يصارعها وجه لوجه.

وعندما عبر الله عز وجل عن فعل يوسف جاء بقوله (وهم بها) ويعني بذلك إن يوسف كان عنده السبب وكان يفقد الاستطاعة وباشر الفعل لكي يوقف هذه المرأة، فقال الله تعالى (وهم بها).

ففرق بينهما بذكر (السبب) (هم امرأة العزيز مبني على طلب الفعل ... وهم يوسف مبني على منع الفعل وكليهما فاقد الاستطاعة) فشتان بين الهمين! مثل كلمة استبقا الباب هل نقول إنهما متساويين في القصد أو احدهما فر والثاني كان يطلبه طبيعي كان السبب في استبقا الباب مختلف يوسف أراد الخروج وإمرة العزيز أرادة منعه، كذلك في هَمَّتْ بِِه وهم بها كان الفعل واحد والسبب مختلف.

وجاء نسق الآيات يبين ماذا حدث بعد هم بها في قول الله عز وجل (لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) ويعنى بـ لولا وكما يقول علماء اللغة حرف امتناع لوجود ولولا أن رأى برهان ربه لوقع في ما كان يأبى فعله وهذا ما أضمره سبحانه و تعالى، وعلى المتدبر الوعي لهذه الآيات إن يعي بعقله ماذا قصد الله تعالى و أضمره بقوله (لولا)، ولأجْل تقريب الصورة نضرب مثلاً، لو أننا أتينا برجل عنده القدرة ولا يعرف السباحة و ألقي به في وسط البحر وترك، السؤال إلى متى سوف يصمد فوق سطح الماء؟ والجواب عليه سوف يصمد حتى تنهك قدرته و تنفد طاقته ويغرق إذا لم يجد يد تمتد إليه و تنجيه مما هو فيه، وما مثل يوسف عليه السلام إلا بشر له حدود لقدرته ولا توجد قدرة مطلقة أبدًا ليس لها حدود إلا قدرة الله سبحانه وتعالى والمعصوم من الذنوب من عصمه الله، ويوسف عليه السلام كان يحرسه الله بلطفه وعنايته وكان معه في محنته ألم يكن معه مذ كان طفلاً صغير وهو في غيابة الجب (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) (9) وهو بين أيدي تجار الرقيق يباع ويشترى (َقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وكذَلكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (10) وعند ما كبر و بلغ أشده قال عنه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير