تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وداخل الدائرة الإسلامية: سار أرباب الطريق على ذات الطريقة، فزهد غال بمباشرة أنواع من الرياضات فاقت ما ابتدعه رهبان الهند ومن حمل عنهم من رهبان النصارى، في مقابل غلو الجماعة المسلمة في معاقرة الشهوات بعد استقرار الأمر للدولة الإسلامية إذ أصابها ما أصاب الأمم التي سبقتها من داء الترف والانهماك في الملذات فهي سنة كونية جارية في حال الممالك والدول، فكان رد الفعل تفريطا في تناول الشهوات ولو مباحة مقابل إفراط في تناولها، أو تشددا في رياضة النفس في مقابل تساهل في ذلك، وذلك أمر مطرد في كل بدعة علمية أو عملية، إذ غالبا ما تكون، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، رد فعل نفسي مضادا لوضع مختل، يؤدي إلى جنوح صاحبه إلى الطرف الآخر بلا توسط أو اعتدال، فليس نابعا من قناعة نفسية أو نظرة عقلية متأنية، وإنما هي عاطفة غير منضبطة، ليس لصاحبها من العلم قدر يعصمه حال ورود الفتن من الشبهات العلمية أو الشهوات العملية، فأرباب البدع، كما يقول الشاطبي رحمه الله، أصاغر في العلم، فليس لهم فيه إمامة أو رسوخ قدم، فمقابل غلو أصحاب الشهوات: جفاء أصحاب الزهد والرياضات، ومقابل غلو الخوارج: جفاء المرجئة، ومقابل غلو المجسمة: جفاء المعطلة، ومقابل غلو الجبرية: جفاء القدرية ........... إلخ من المتقابلات العلمية والعملية، والحق وسط بينها.

وبعد الغلو في الزهد: فساد في الحال، بمعاشرة النساء والمردان وسماع المعازف والألحان، فذلك لازم الخروج عن طريقة النبوات في التوسط والاعتدال، ثم فساد في العلم أخرج غلاتهم من الحلولية والاتحادية من دائرة الملة الإسلامية، فالتلازم بين فساد العلم والعمل أمر مطرد كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا.

يقول، ابن تيمية، رحمه الله، في معرض الإشارة إلى تلك اللذة التي قد تنال من طريق السماع:

"وهذا، (أي: حمل كلام المصوت على مراد السامع كمن يسمع إنشادا أو غناء فينزله على حاله، وهذا الغالب على أهل العشق الذين يستمعون إلى الغناء في معرض التسلية، وقد يقع لأهل الفضل فيصادف القول ما كان في قلوبهم من الحق وإن لم يكن للقول تعلق بمرادهم فغايته أنه قد ذكرهم به)، يكون على وجهين:

أحدهما من الصوت المجرد الذي لا حرف معه كأصوات الطيور والرياح والآلات وغير ذلك فهذا كثير ما ينزله الناس على حروف بوزن ذلك الصوت وكثيرا ما يحرك منهم ما يناسبها من فرح أو حزن أو غضب أو شوق أو نحو ذلك ............

والثاني يكون من صوت بحروف منظومة إما شعر وإما غيره ويكون المستمع ينزل تلك المعاني على حاله سواء قصد ذلك الناظم والمنشد أو لم يقصد ذلك مثل أن يكون في الشعر عتاب وتوبيخ أو أمر بالصبر على الملام في الحب أو ذم على التقصير في القيام بحقوق المحبة أو تحريض على ما فرض للإنسان من الحقوق أو إغضاب وحمية على جهاد العدو ومقاتله أو أمر ببذل النفس والمال في نيل المطلوب ورضا المحبوب أو غير ذلك من المعاني المجملة التي يشترك فيها محب الرحمن ومحب الأوثان ومحب الأوطان ومحب النسوان ومحب المردان ومحب الإخوان ومحب الخلان. (فكل يغني لليلاه، فبعضهم دين تقي، وبعضهم ملحد وثني، وبعضهم فاسق غوي، وإنما اشتركوا في أمر مجمل، لا يوجب الاشتراك فيه الاشتراك في الحكم ليقال بأن كل سامع تقي، فيكون سماع أهل الطريق صحيحا، فلم يرد به نص يجعله واجبا أو مندوبا، إلا عمومات ومجملات يتناولها أرباب السماع تناول أصحاب المقالات الفاسدة للأدلة المتشابهة).

وربما قرع السمع حروف أخرى لم ينطق بها المتكلم على وزن حروفه كما يذكر عن بعضهم أنه سمع قائلا يقول: سعتر بري فوقع في سمعه: اسع تر بري.

وقد ذكر ذلك فيما بعد أبو القاسم فقال: سمعت محمد بن أحمد بن محمد الصوفي يقول سمعت عبد الله بن علي الطوسي يقول سمعت يحيى بن علي الرضا العلوي قال: سمع ابن حلوان الدمشقي طوافا ينادى ياه سعتر بري فسقط مغشيا عليه فلما أفاق سئل فقال حسبته يقول: اسع تر بري.

وسمع عتبة الغلام رجلا يقول:

سبحان رب السماء ******* إن المحب لفى عناء

فقال عتبة صدقت وسمع رجل آخر ذلك القول فقال كذبت: فكل واحد يسمع من حيث هو.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير