تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا سيما وأكثرها إنما وضعت لمحبة لا يحبها الله ورسوله مثل بعض هذه الأجناس وإنما المدعي لمحبة الله ورسوله يأخذ مقصوده منها بطريق الاعتبار والقياس وهو الإشارة التي يذكرونها.

ولهذا قال: مخاطبات وإشارات فالمخاطبات كدلالة النصوص والإشارات كدلالة القياس ولا بد أن يكون قد علم أن تلك المخاطبات والإشارات إنما يفهم منها المستمع ويتحرك فيها حركة يحبها الله ورسوله فيكون قد علم من غيرها أن ما يقتضيه من الشعور والحال مرضى عند ذي الجلال بدلالة الكتاب والسنة وإلا فإن مجرد الاستحسان بالذوق والوجدان إن لم يشهد له الكتاب والسنة وإلا كان ضلالا.

ومن هذا الباب ضل طوائف من الضالين وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن مثل هذا جميعه لا يجوز أن يجعل طريقا إلى الله ويجمع عليه عباد الله ويستحب للمريدين وجه الله لأن ما فيه من الضرر هو أضعاف ما فيه من المنفعة لهم ولكن قد صادف السر الذي يكون في قلبه حق بعض هذه المسموعات فيكون مذكرا له ومنبها.

وهذا معنى قول الجنيد: السماع فتنة لمن طلبه ترويح لمن صادفه". اهـ

بتصرف من: "الاستقامة"، ص279_281.

فهي قد وضعت لغير الديانة إذ لم توضع لما يحبه الله ورسوله، فإن باشرها الإنسان على حد الديانة، فقد اعتبر ما لم يعتبره الشرع، فتعبد بما ليس بعبادة، وهذا شرع ما لم يأذن به، عز وجل، فلصاحبه نصيب من الإنكار والتوبيخ في قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)، فقد وضع لنفسه شريعة في باب السماع، فالغالب عليه التحريم أو الكراهة وهو في أحسن أحواله على حد الإباحة، فجعله مستحبا بل واجبا لبلوغ درجات الولاية!. فالتعبد بالمباح الذي لا يضاد الشرع: غير جائز، فكيف بالمحرم أو المكروه على أحسن الأحوال؟!.

وإنما غايتها، كما تقدم، أن تثير في النفس أمرا مجملا، تشترك فيه أجناس شتى، فليس الأمر مقصورا على أرباب الديانة ليقال بأنه دين واجب أو مندوب، وإنما الدين ما شرعه الله، عز وجل، لا ما استحسنته العقول والأذواق.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"ثم يقال كون الصوت الحسن فيه لذه أمر حسي لكن أي شيء في هذا مما يدل على الأحكام الشرعية من كونه مباحا أو مكروها او محرما ومن كون الغناء قربة أو طاعة؟

بل مثل هذا أن يقول القائل: استلذاذ النفس بالوطء مما لا يمكن جحوده واستلذاذها بالمباشرة للجميل من النساء والصبيان مما لا يمكن جحوده واستلذاذها بالنظر إلى الصور الجميلة مما لا يمكن جحوده واستلذاذها بأنواع المطاعم والمشارب مما لا يمكن جحوده فأي دليل في هذا لمن هداه الله على ما يحبه ويرضاه أو يبيحه ويجيزه؟

ومن المعلوم أن هذه الأجناس فيها الحلال والحرام والمعروف والمنكر بل كان المناسب لطريقة الزهد في الشهوات واللذات ومخالفة الهوى أن يستدل بكون الشئ لذيذا مشتهى على كونه مباينا لطريق الزهد والتصوف كما قد يفعل كثير من المشايخ يزهدون بذلك في جنس الشهوات واللذات. (فهذا من قلب الدليل على الخصم فإنهم يزعمون الزهد حتى في المباحات فليكن زهدهم أيضا في السماع لو سلم جدلا بأنه من المباحات إذ للنفس فيه حظ، والزهد في طريقتهم: قتل للشهوات وإبطال للحظوظ النفسانية).

وهذا وإن لم يكن في نفسه دليلا صحيحا فهو أقرب إلى طريقة الزهد والتصوف من الاستدلال بكون الشئ لذيذا على كونه طريقا إلى الله.

وكل من الاستدلالين باطل فلا يستدل على كونه محمودا أو مذموما أو حلالا او حراما إلا بالأدلة الشرعية لا بكونه لذيذا في الطبع أو غير لذيذ.

ولهذا ينكر على من يتقرب إلى الله بترك جنس اللذات كما قال صلى الله عليه وسلم للذين قال أحدهم: أما أنا فأصوم لا أفطر وقال الآخر: أما أنا فأقوم لا أنام وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء وقال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني.

وقد أنزل الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير