تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

على النص الشرعي، بزعم أن له ظاهرا محالا، مع أن الظاهر المتبادر إلى الذهن من اللفظ لا يعرف إلا ضمن السياق الذي يرد فيه، فلا يتصور عندئذ أي تعارض يلجيء العقل إلى تكلف التأويلات المستكرهة لنصوص الوحي المحكمة، لا سيما في الإلهيات والسمعيات فهي مسائل لا تعرف إلا بتوقيف من الوحي، فلا يدركها العقل تفصيلا، وإن ألم بها إجمالا، بمقتضى ما ركز فيه من الفطرة الأولى، فافتراض وقوع التعارض بين النقل والعقل، أو بين: ظاهر النقل والعقل، كما يقول بعض الباحثين المتأثرين بالمنهج الاعتزالي، افتراض وهمي، وإنما وضع توصلا إلى تقديم العقل القاطع، فبراهينه جازمة تورث اليقين، مع تفرق العقول واضطرابها في أمور الشهادة التي تخضع لقياس العقل فكيف بالإلهيات والشرعيات التي لا تخضع للعقل؟!، وإنما العقل هو الخاضع التابع لها، إذ لا يدرك العقل حقائق الإلهيات على وجه التحديد ليصح حكمه عليها، فتصوره لها لا يتعدى التصور المعنوي، وهو مع ذلك مفتقر إلى الوحي ليوقفه عليها، فلا يستقل بالتأصيل ولا طاقة له بإدراك الحقائق الغيبية من إلهيات وسمعيات على وجه التحديد، فهو، كما تقدم، لا يدرك الحقائق الوجودية في عالم الشهادة على حد اليقين، مع خضوع العالم المشهود لقياسه، فكيف بما غاب عنه، وهو في الشرعيات لا يدرك المآلات، وإنما غايته النظر إلى المصالح العاجلة التي تحقق له لذات آنية، وإن ترتب عليها من المفاسد الآجلة، وربما العاجلة أضعافها، فإذا عزل عن الوحي المحكم الذي يكبح جماحه العلمي فلا يفسد تصوره وجماح إراداته العملية فلا يفسد حكمه في عالم الشهادة، إذا عزل عنه وقع في أجناس من الاضطراب والفساد العلمي والعملي، وحال أساطين الخائضين في الإلهيات من أهل الاعتزال ومن حمل عنهم من أئمة المتكلمين، وكانوا أصحاب عقول جعلت بعضهم معدودا من أذكياء العالم كالجويني والغزالي والرازي رحمهم الله، حالهم من الحيرة والاضطراب في نهاية رحلتهم في مفازة المنهج العقلي الحاكم على الوحي، خير شاهد على ذلك الاضطراب.

فهذا حال العقل الذي يجب تقديم براهينه القاطعة على ظاهر النص المحتمل، بزعمهم، فإن كل لفظ يحتمل إرادة غير معناه، ولو احتمالا ضئيلا مهجورا غير معتبر، فالنصوص التي لا تحتمل إلا معناها تحديدا، بما وضعوه من تحكمات محضة لقبول النص جعل وجوده أمرا شبه خيالي!، النصوص الجارية على هذا الوصف: لا وجود لها تقريبا في نصوص الشرع بل في كلام البشر فكل كلام حمال لأوجه ومن شاء فليحمله على الوجه الذي يرتضيه عقله إذا ترك الأمر للعقل بمعزل عن الوحي وسياق نصوصه، فيكون العقل هو المقدم مطلقا، لئلا يقدح في دلالة العقل الجازمة بدلالات نصية محتملة!، فإن القطعي يقضي على الظني بلا خلاف، مع أن العقل لم يتول منصبه إلا من جهة الشرع الذي اعتبره في باب النظر والاستدلال لصحة النص لا الافتيات على الأصل الذي شهد له بالاعتبار، فتقديمه على النص الذي شهد له بالاعتبار هو، عند التحقيق، إبطال لعمله وعزل له بعزل أصله، فالطعن في الأصل الشاهد طعن في الأصل المشهود له، وتقديم الفرع على الأصل غير جار على قياس العقل الصريح، لا سيما إن كان الباب مما اختص به الأصل، فإن الإلهيات والسمعيات، كما تقدم، أمر غيبي محض، لا يدرك إلا بتوقيف من الوحي الصحيح، فيكون عمل العقل الصريح آنذاك: تصور معانيه دون خوض في حقائقها المغيبة عنه ليحصل معنى الابتلاء في دار التكليف، وإقامة الأدلة العقلية الصريحة عليها، فيتواءم العقل الصريح في عمله مع النقل الصحيح، فلا تعارض بينهما، وإنما الصحيح أن التعارض بين: النقل الصحيح والعقل الفاسد، أو: النقل الباطل والعقل الصريح.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير