تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال البعض الآخر بأن تلك المقالات الحادثة كانت نتاج حراك عقلي فعال في مجالس العلم في البصرة، كمجلس الحسن البصري، رحمه الله، الذي اعتزله واصل بن عطاء أحد رواد الاعتزال، لما خالف الحسن في حكم مرتكب الكبيرة، فجعل ذلك الاختلاف المذموم بالخروج عن السنة في تلك المسألة، والخروج عن الأدب على ما قد علم من تقدم واصل بين يدي شيخه الجليل، جعل ذلك ثمرة علمية نافعة إذ بها ظهر تيار فكري جديد أثرى البحث العلمي الإسلامي!.

وما أسهل اصطناع البطولات الوهمية بالألفاظ والدعاوى العريضة التي لا مستند لها إلا ما تحمله من تهويل ومبالغة ترهب عقل الناظر فيها بادي الرأي فإذا تأملها وجدها عارية عن الصحة.

فهي من جنس مقالة بعض نصارى مصر بأن الحياة الفكرية الإسلامية قد تعطلت بتولي المتوكل العباسي، رحمه الله، الخلافة، إذ صادر الفكر العقلاني الحر، مع أنه هو الذي أظهر السنة، ورفع المحنة عن الإمام أحمد رحمه الله، وبالغ في إكرامه والاحتفاء به، وقمع حركة الاعتزال التي قهرت الأمة بأكملها وحملتها على مقالتها بحد سيف السلطان شطرا من خلافة المأمون وطوال خلافة المعتصم والواثق، فلا مكان عندها للرأي والرأي الآخر! ذلك السيف المسلط على رقاب أهل الحق فقط، ليعطوا الدنية في دينهم، فإذا تمكن أهل الباطل منهم فعلوا بهم الأفاعيل ولا عزاء لأعضاء حزب الرأي والراي الآخر من الانهزاميين.

ومن جنس قول بعضهم بأن رءوس الخونة من النصارى إبان الحملة الفرنسية ممن تعاونوا مع نابليون للقضاء على الثورة المصرية الإسلامية ضده، هم: دعاة التحرير الأول لمصر من الاحتلال العثماني البغيض فحق على مصر أن تكرمهم إذ هم أول من نادى باستقلالها وسيادتها على كامل ترابها الوطني!.

مع الفارق طبعا بين دعاوى يصدرها مسلمون متأثرون بمنهج فكري مخالف للوحي ظنوا فيه نفعا يعود على الإسلام، وأخرى يصدرها نصارى يكيدون للإسلام صراحة، وإنما الغرض التمثيل للمعنى المشترك بينها وهو: ضخامة وفخامة الدعوى وتهافت بل عدم البينة عليها.

وقد ظهرت حجة الإسلام من لدن بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقهرت كل حجة ببساطتها ووجازتها وملاءمتها للعقول الصريحة والفطر السوية ووضوح براهينها فلا تكلف فيها، فلم تكن تفتقر طوال قرن ويزيد إلى من يكمل لها ما لم يكتمل من الأدلة العقلية المؤيدة لنصوصها، فتلك دعوى لازمها عدم اكتمال الدين مسائل وأدلة حتى جاء أولئك ليكملوه، والثابت المطرد من كلام المحققين: اكتمال هذه الرسالة أصولا وفروعا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم ينتقل عليه السلام إلى الرفيق الأعلى إلا والدين قد اكتمل والحجة قد أقيمت، والأصول والفروع قد قررت، وما استجد من نوازل كونية فعند الأمة من القواعد الكلية المستنبطة من نصوص الوحيين ما يبين حكمها، فشريعتها، باعتراف القانونيين المعاصرين من غير المسلمين، مرنة تحتمل ما يجد على البشر من النوازل، ولسنا في حاجة إلى شهادتهم، فالوحي قد شهد لهذه الرسالة بالكمال والعالمية الزمانية والمكانية قبلهم بقرون، وإنما هو من باب: وشهد شاهد من أهلها.

ولا ينكر أحد ما لكثير من المتكلمين من أثر طيب في الدراسات الإسلامية، فلهم كلام نافع في الأصول والفروع، فكثير منهم، كانوا أئمة في مذاهبهم الفقهية، لا سيما المذهب الشافعي الذي انتسب إليه جملة من المتكلمين، مع كون المتقدمين من محققي الشافعية من أمثال ابن خزيمة وابن حبان وأبي العباس بن سريج، رحم الله الجميع، كانوا على مذهب السلف، فكان للمتكلمين من أمثال الجويني وأبي الحسين البصري، وهو من محققي الأصوليين مع كونه على طريقة أهل الاعتزال في أصول الدين، والغزالي والرازي والآمدي، رحم الله الجميع وغفر لهم، كان لهم بحوث نافعة في الفقه وأصوله. ولكن ذلك ليس مبررا لقبول ما زلوا فيه من مسائل الإلهيات التي كانوا فيها على غير مقالة الصدر الأول، أصحاب الاتباع المطلق للرسالة الخاتمة أخبارا وأحكاما، فغاية الأمر أن ترد تلك المقالات ويعتذر لأصحابها ممن لهم قدم صدق في علوم الشريعة.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "النبوات":

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير