تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والشاهد أن الترتيب العقلي كما تقدم يبدأ بالسؤال الشارح للاسم، فالسؤال عن وجوده فقبل تصوره لا بد أن يكون موجودا ابتداء، فلو كان معدوما كأن يكون محالا ذاتيا فإنه لا يتصور، وإنما غايته أن يفرضه العقل فرضا، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أكثر من مناسبة في بيان الإلزام العقلي الصحيح في قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)، فذلك محال ذاتي فرض فرضا، تنزلا مع المخاطب في الجدال فلا حقيقة له ليتصورها الذهن، وبعد التصور للممكن أو الواجب يأتي الحكم تصديقا بنسبة الحكم إلى موجود. فالتصديق آخر تلك المراتب وهو الذي تناوله البحث المنطقي بـ:

قياس التمثيل وقياس الشمول:

فقياس التمثيل وهو القياس الجاري على حد ما قرره الأصوليون من قياس فرع على أصل في الحكم لعلة جامعة بينهما سواء أكان ذلك في الشرعيات كقياس أي مسكر على الخمر، فالخمر أصل، والمسكر فرع، والحكم: التحريم، والعلة: الإسكار، أم في الطبيعيات كقياس النظير على نظيره، وهو أمره يمارسه كل مكلف في حياته مرات عديدة دون أن يلتفت إليه، بل غالب أحكام العادات جارية هذا النوع من القياس، إذ لازمه من: وجوب التسوية بين المتماثلات والتفرقة بين المتباينات أمر جار على سنن العقل الصريح الذي ركب في كل مكلف إلا من عدمه ابتداء فهو غير مكلف أو أفسده بمسكر مادي أو نظر عقلي في علوم سفسطائية أفسدت أحكامه العقلية على الأشياء حتى صار البدهي عنده محالا، والمحال: بدهيا بل ضروريا لا يسع المكلف إلا انتحاله لتتحقق له به النجاة! أو تغييبه وإن كان صحيحا بتقليد الآباء والشيوخ بلا نظر أو اجتهاد، فالطبيب يستعمل قياس التمثيل في إعطاء دواء لمريض وإعطائه لآخر يعاني من نفس المرض قياسا عليه، والمعلم يستعمله في تقدير إجابات طلابه فلا يسوي بين الذكي والبليد إذ لكلٍ حكمٌ فرعا عن وصفه، فتتباين النتائج تبعا لتباين المقدمات، والكيميائي يستعمله في تجاربه فيكتشف به كنه مادة مجهولة بقياسها على سلوك مادة معلومة، فيعطى المسحوق المجهول حكم المسحوق المعلوم لاتصافه بنفس الخصائص الفيزيائية من لون وطعم ورائحة وذوبان ...... إلخ، واستجابته لنفس المؤثرات الكيميائية من تفاعل مع مواد أخرى يعطي نتائج متماثلة فوحدة النتائج كما تقدم فرع عن وحدة المقدمات.

وقد ورد في الشرعيات في نحو حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ قَالَ أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ قَالَ فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ". فقاس صلى الله عليه وعلى آله وسلم صورة الابن الذي نزعه عرق على صورة الإبل التي تظهر بعض الصفات المتنحية في أجيال سابقة في أجيالها الحالية أو اللاحقة، وذلك مما يتناوله الباحثون في إعجاز السنة النبوية: في علم الوراثة تحديدا، وكلتا الصورتين: كائنة في عالم الشهادة مدركة بالحس الظاهر فصح قياس الأولى على الثانية.

وقياس التمثيل هو: القياس الذي يفيد علما يقينيا جازما في الحسيات المشاهدة أو المعنويات المدركة، كما أشار إلى ذلك ابن تيمية، رحمه الله، في معرض الترجيح بين قياس الشمول وقياس التمثيل كما سيأتي إن شاء الله.

ومحل عمله، بداهة، لا يكون إلا مع إدراك الأصل والفرع معا، ليتمكن العقل من نسبة حكم الأصل إلى الفرع تصديقا بعد حصول التصور التام للأصل والفرع معا، فيدرك العقل الوصف الجامع بينهما، فيتحقق من وجوده في الفرع وجودَه في الأصل.

ولذلك كان إجراء هذا القياس في باب الصفات الإلهية باطلا، إذ لم يدرك الفرع المقيس، وهو وصف الرب، جل وعلا، ليقاس على الأصل وهو وصف العبد ليقال: له يد كيدي، أو عين كعيني، وهو الذي ورد النهي عنه تحديدا في كلام السلف كما أثر عن أمثال إسحاق بن راهويه رحمه الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير