تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

دون ما تحيله، فهي تتصوره وتجوزه بل توجبه في بعض الأحيان كإيجاب أوصاف الكمال للرب جل وعلا فذلك، كما تقدم، فرقان بين النبوات السماوية المطردة وسائر المقالات الأرضية المضطربة التي أسرفت في افتراض المحالات ثم صيرتها ضروريات شرعية وعقلية لا تحصل النجاة إلا بقهر العقل وإجباره على انتحالها!.

وهو أيضا: أمر محال في دار الجزاء على حد الإحاطة بكمال الرب، جل وعلا، إذ يحصل للمؤمنين في الجنة برؤيته، عز وجل، رؤية حقيقية بأعينهم، كمال اللذة العلمية بأعظم وأشرف المعلومات، ولكنهم لا يحيطون بوصف كماله إذ لا يحيط المخلوق بالخالق بداهة، فنسبته إليه كنسبة المتناهي إلى غير المتناهي، والمتناهي لا يحيط بغير المتناهي بداهة.

والإشكال عند من استعمل هذا القياس في باب الإلهيات، وهو من أسوأ آثار هذا العلم على عقائد المسلمين في باب الأسماء والصفات، أنه أجراه في الكيف، مع أنه لم يدرك كيف الرب، جل وعلا، ليأخذ منه قدرا مشتركا بينه وبين كيفيات المخلوقات فيصوغ من الكل: كلية عقلية يندرج الكل تحتها اندراج الأفراد تحت النوع أو الجنس الجامع لها. فعمله كان في عالم الشهادة فنظر إلى فلان وفلان من المتكلمين فوجد الجامع بينهم: اللسان فلا يكون متكلم إلا بلسان، فوضع قاعدة كلية: كل من يتكلم فله لسان يندرج تحتها أفراد المتكلمين: زيد وعمرو وبكر .... إلخ، وهي قاعدة صحيحة إذا أجريت على الأفراد الذين يدرك كيف أوصافهم بالحس الظاهر في عالم الشهادة، بخلاف ما لم يدركه العقل من كيف أوصاف الرب، جل وعلا، فلا يقال بأن الله، عز وجل، داخل تحتها لأنها قاعدة يصح إجراؤها على المخلوقين لا الخالق، عز وجل، إذ هي مستنبطة من أوصافهم التي أدركها الحس الظاهر بخلاف أوصاف الرب، جل وعلا، التي لا يدرك الحس الظاهر حقائقها في عالم الشهادة، كما تقدم، فمن أجراه على الله، عز وجل، على هذا النحو صار إلى التمثيل فقال بأنه، تبارك وتعالى، له لسان كلسانهم لأنه موصوف بالكلام مثلهم، فلم ينظر إلى القدر الفارق بينه وبينهم، ليعلم أن كلامه على الوجه اللائق بكمال ذاته، وكلامهم على الوجه اللائق بذواتهم، فلا جامع بينهما إلا المعنى المجرد في الذهن، وهو معنى لا يلزم من إثبات الاشتراك فيه تشبيه أو تمثيل، كما تقدم، أو صار إلى التمثيل فالتعطيل ليفر من ناتج هذا القياس، الذي تمجه العقول إذ تصور كيف لأوصاف الرب، جل وعلا، على غرار كيف أوصاف المخلوق أمر قد أبطله النقل في نحو قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، والعقل إذ فيه تسوية بين مختلفين بل بين أعظم مختلفين: الرب الخالق تبارك وتعالى، والعبد المخلوق، والفطرة فهي تنكر ذلك ابتداء دون حاجة إلى دليل من نقل أو عقل إلا إذا فسدت فاضطر صاحبها إلى النظر في الأدلة ليقوم ما اعوج منها، وتلك، كما تقدم، الوظيفة الثانية للنبوات: فهي تفصل لمن استقامت فطرته مجملها بأخبارها الصادقة المحكمة، وتقوم لمن اعوجت فطرته اعوجاجها بالبراهين العقلية القاطعة التي تضمنتها نصوصها.

والصحيح أن كلا المسلكين باطل إذ لم يدخل الرب، جل وعلا، تحت هذه القاعدة المستنبطة من عالم الشهادة فليس مشهودا كأفرادها لتجري عليه جريانها عليهم.

فإن كانت القاعدة تتضمن نقصا مطلقا من كل وجه كالحاجة إلى الطعام أو الشراب أو النوم ........ إلخ نزه عنه الرب، جل وعلا، لتواتر الأدلة النقلية والعقلية والفطرية، كما تقدم، باتصافه، جل وعلا، بصفات الكمال المطلق بلا تشبيه، وتنزهه عن صفات النقص بلا تعطيل.

وإن كانت القاعدة تتضمن وصفا لم ترد به النصوص لا يلزم منه نقصان فالعقل لا يمنعه، ولا يوجبه لعدم الدليل النقلي في باب، كما تقدم، مستنده نقلي فلا يثبت إلا بخبر الوحي المعصوم لكونه غيبا بل هو أعظم الغيوب، إن كان كذلك، كقول القائل: كل من يسمع فله أذن، فيكون لله، عز وجل، أذن تليق بذاته، لأنه موصوف بالسماع، فإن ذلك لا يثبت لعدم الدليل المثبت، ولا ينفى لعدم الدليل النافي، وإنما امتنع الانتفاء هنا لأنه وصف لا يلزم منه نقص، ولكن العقل لا يستقل بإثباته لله، عز وجل، فالباب، كما تقدم مرارا، خبري محض، فوصف الله، عز وجل، بالمهندس أو الشجاع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير