تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

2_ وأن قياس التمثيل هو الأليق بالبحث العقلي الصحيح في الطبيعيات: محل بحث العقول الصريحة، فهو يفيد تصديقا صحيحا وعلما جازما بحكم النظائر المشاهدة، وهو الذي جاء به الوحي، فكان ذلك حجر أساس الصرح العلمي الشامخ الذي أقامه المسلمون في باب العلم التجريبي في وقت كانت الكنيسة فيه مغلولة العقل بمقررات الفلسفة اليونانية النظرية البحتة: غامضة المبنى، صعبة المعنى، قليلة الجدوى في الإلهيات والطبيعيات لانشغالها بتقرير البدهيات، بل استعمالها في الإلهيات قد أدى إلى ضلال كثير من الأذكياء فيها وهو أمر لم يسلم منه المتكلمون المسلمون.

3_ وأن كلا القياسين في الإلهيات والسمعيات باطل إذ لم يدرك العقل كنه وصف الرب، جل وعلا، أو كنه الغيب ولو كان مخلوقا كنعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار، لم يدرك العقل ذلك ليقيسه على وصف المخلوق الحادث أو ليدرجه في كلية جامعة استنبطها العقل من عالم الشهادة المخلوق، فيستوي الغيب والشهادة باندراجهما تحت جنس واحد، وذلك باطل عقلا إذ فيه التسوية بين متباينين: غائب غير مدرك الكيف، وشاهد مدرك الكيف بالحس الظاهر.

4_ وأن البحث العقلي النافع في هذا الباب:

البحث في الطبيعيات على سنن ما قرره الوحي من النظر والتأمل في الآيات الكونية خارج الذهن، وقياس النظير على نظيره وفق ما قرر العقل الصريح الذي جاء النقل الصحيح مزكيا له شاهدا بصحة قياسه.

والتوقف في الإلهيات عند حد:

الاشتراك المعنوي الذي تكون الكلية الجامعة فيه: معنوية لا يلزم من إثباتها تكييف أو تمثيل لامتناع التشبيه أو التمثيل بوقوع الشركة فيها، فإثباتها، كما تقدم، حتم لازم لفهم معاني النصوص: إلهية كانت أو طبيعية.

وقياس أوصاف الخالق، جل وعلا، على أوصاف المخلوق قياس أولويا وهو المثل الأعلى الذي جاء التنزيل بتقريره في نحو قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فقاس إعادة الخلق على بدايته قياسا أولويا، إذ من أنشأ إبداعا من العدم قادر من باب أولى على إعادة الخلق على مثال سابق.

وجاء به التنزيل في نحو قوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)

فإن كان ذلك ممتنعا بين المالك الأرضي وملك يمينه فلا يشركه في رزقه، ولا يخشاه بداهة، فهو ممتنع من باب أولى بين الملك، عز وجل، الذي له تمام المِلك والمُلك للأعيان فيتصرف فيها كيف شاء بمقتضى أوصاف كماله، وبين خلقه وإن كانوا على أعظم قوة وأكمل هيئة وأعلى منزلة كالملائكة والنبيين، على حد قوله تعالى: (وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، فكيف بتلك الأصنام والأوثان التي جعلتموها شريكة له في ملكه وحكمه الكوني منازعة له في حكمه الشرعي، مادية كانت أو معنوية، وهي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عن عابديها شيئا، بل هي مخلوقة لبشر مثلكم، أو صادرة من عقول تحاكي عقولكم بل قد تكون أقل علما وأفسد قياسا؟!.

فضلا عن أنواع من القياس كـ: قياس الطرد والعكس في كل نصوص الوعد والوعيد فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص من نزلت فيهم، وإن كان دخولهم في عمومها أقوى من دخول غيرهم فيه، فدخول السبب في العام الوارد عليه: دخول قطعي لا يقبل التخصيص بخلاف دخول بقية الأفراد فهو: دخول ظني يقبل التخصيص، وإن استوى الكل في الحكم، فالعام يشملهم جميعا شمولا واحدا، أو شمولا بالنص لمن نزلت فيه، وقياسا عليه: قياس طرد، فكل من تحققت فيه علة الوعد من تصديق وامتثال أو الوعيد من تكذيب وعصيان، فهو ملحق بالصورة المنصوص عليها: إلحاق الفرع بأصله في الحكم فذلك الطرد، وكل من لم تتحقق فيه العلة، فالنص قد دل بمفهومه على تخلف الحكم في حقه، بل يثبت له ضده، فيثبت ضد الوعد إذا لم تتحقق علته وتحققت علة ضده من التكذيب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير