والبحث الفلسفي إجمالا: بحث نظري محض يجهد العقل في أمر قليل الجدوى فغايته تقرير البدهيات الضرورية في الرد على منكرها من السفسطائية والعلوم الضرورية لا تفتقر إلى تقرير فهي مما يستدل به لا مما يستدل له، فإذا افتقرت في تحصيلها إلى استدلال، مع أنها هي العمدة في الاستدلال لزم من ذلك بطلان كل النظريات، إذ لا بد أن ترجع العلوم النظرية إلى مسلمات ضرورية تتفق عليها جميع العقول كالقول بأن 1+1 = 2، فإذا أنكر أحد ذلك كان الواجب، كما يقول المحققون من أهل العلم، تعزيره أو علاجه إن كان مجنونا لا حشد الطاقات العقلية لدحض مقالته!، فهي مقالة تهدم أصول الاستدلال النظري فلا تصدر من ذي عقل ابتداء، ولعل مقالة التثليث قد زادت على ذلك واحدا فجعلت: 1+1+1 = 1!، فهي أشد استحالة وأكثر مباينة لقياس العقول الصريحة.
وصدق الإمام الشافعي، رحمه الله، إذ يقول:
"ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب، وميلهم إلى لسان أرسطاطاليس". اهـ
وهو يعني بذلك، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، لسانه الفكري لا اللفظي، فمحل إنكاره طريقته الفلسفية لا اللفظية، فما وقع جهل إلا للعدول عن قياس القرآن العربي إلى قياس اليونان الأعجمي، فأقيسة القرآن قد بلغت، لا سيما في الاستدلال لمسائل الألوهية فرعا عن مقدمات انفراد الباري، عز وجل، بأوصاف الربوبية، قد بلغت حد الإحكام فهي ملزمة للمخالف بأبين لفظ وأوجز سياق، بخلاف القياس الأرسطي الذي يجهد صاحبه في تقرير البدهيات، ثم يتمخض عن أمر قد علمه ابتداء كل ذي عقل صريح!.
يقول الذهبي، رحمه الله، في معرض التعليق على المقالة السابقة:
"هذه حكاية نافعة، لكنها منكرة، ما أعتقد أن الإمام تفوه بها، ولا كانت أوضاع أرسطوطاليس عربت بعد ألبتة". اهـ
وسواء صحت نسبة المقالة إلى الإمام الشافعي، رحمه الله، أو لم تصح فمعناها صحيح.
والفلسفة كأي علم أرضي: يتأثر بالعوامل الاجتماعية التي نشأ فيها فتتباين الفلسفات تبعا لتباين الظروف التي احتفت بنشأتها ففلسفة أفلاطون فلسفة أرستقراطية تأثرت بطبقته المترفة، وفلسفة ديكارت فلسفة ثائرة على هيمنة الكنيسة دعت إلى فصل العلم عن الدين استنقاذا له من براثن الكهنوت، والفلسفة الرواقية الزهدية نشأت في مقابل الفلسفة الأبيقورية الشهوانية وهكذا تصطبغ كل فلسفة بصبغة عصرها.
بتصرف من "أصالة التفكير الفلسفي في الإسلام"، ص10.
وذلك مئنة مما تقدم من اضطراب العقول في تعيين وجه الحسن أو القبح تحديدا بمعزل عن النبوات، وذلك أمر لا يجده المستقرئ لتاريخ النبوات فهي مؤثرة لا متأثرة، مطردة الأصول وإن اختلفت الفروع تبعا لحال كل أمة، فليس فيها تناقض كذلك الذي يوجد في المدارس الفلسفية المتعددة، فلكل أصول فكرية تختلف بل قد تناقض بقية المدارس و: (لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 12 - 2009, 09:08 ص]ـ
وعرفها البعض بأنها: "محبة الحكمة أو إيثارها".
وذلك معنى كلي يشترك فيه عامة العقلاء، فهو كتحسين العقول واستقباحها بما أودع فيها من قوى التمييز المجمل بين الخير والشر، فلا بد لكليهما من شارح يبسط القول في أفرادهما إذ العقول لا تستقل إلا بإدراك المجملات دون الجزئيات التي لا تتلقى إلا من قبل النبوات، فالآخرة: ضرورة عقلية لينال المحسن والمسيء الجزاء، فالثواب والعقاب أمر قد تواتر في كل الأمم، ولو لم تكن ذات رسالة، إذ لا تنفك جماعة عن قوانين تحكمها يثاب فيها المحسن ويعاقب فيها المسيء، ولكن إدراك تلك الضرورة العقلية على حد التفصيل لما يجري في الدار الآخرة هو مما لا قبل للعقل بإدراكه، فليس ثم سبيل إلى المعرفة اليقينية في هذا الباب إلا أخبار الأنبياء عليهم السلام، وأعظم من ذلك أمر الإلهيات، فهي مناط النجاة الذي يتوصل بتصحيحه إلى صلاح الأولى والآخرة، فإن العقل يدركه إجمالا، فيدرك بداهة أن لهذا الكون البديع المتقن إلها قادرا أبدعه، حكيما يدبره، ولكنه لا يستقل بإدراك أوصافه فلا بد له من توقيف الوحي، لا سيما في الصفات الخبرية كالوجه واليد، والصفات الفعلية كالنزول والمجيء، فتلك أمور لا تخرج في باب الدلالات العقلية عن حد
¥