تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الممكن في حق الرب، جل وعلا، فليس فيها ما يوجبها أو يحيلها ابتداء، فلا يثبت العقل ولا ينفي حتى يرد نص الشارع، عز وجل، فلما ورد النص بإثباتها، صارت واجبة بعد أن كانت ممكنة، وصارت كمالا مطلقا في حق الرب، جل وعلا، إذ لا يتصف، جل وعلا، بداهة إلا بكل كمال مطلق، فلا يعتري وصفه نقص أو فناء، فهو الأول بالذات القدسية والأسماء الحسنى والصفات العلى وما يصدر عنها من أفعال الكمال، هو الأول بذلك أزلا، وهو الآخر به أبدا، فلما ثبت ذلك جاز للعقل حينئذ أن يعضد النقل، فيثبت الوجه إذ هو وصف كمال في المخلوق، فالله، عز وجل، أولى به، وهو خالق الكمال ومبدعه فلا يكون إلا متصفا به بداهة ......... إلخ من الطرائق العقلية الصريحة التي تلي في الاستدلال المنقولات النبوية الصحيحة، فهذا دور العقل في أمر الغيب: دور العاضد للدين الصحيح لا الناقض بقياس فاسد بزعم مخالفة الوحي للعقل، وهي الإشكالية التي اخترعها الفلاسفة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ثم راموا الجمع بين ما ظنوه متناقضا، فكان ما كان من تقديم القياس المضطرب على النقل المطرد في باب غيبي محض لا يتلقى إلا من قبل السمع كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، وتلك إشكالية انتقلت من الفلاسفة إلى المعنزلة إلى المتكلمين إلى العقلانيين ثم إلى العلمانيين المعاصرين وهم أسوأ سلالة فكرية أنتجها العقل البشري إلى الآن، إذ اتسع نطاق المعارضة ليعم الشرائع العملية بعد أن كان محل النزاع هو الأخبار العلمية، فصار العقل بزعمهم ضد النقل في كل قضية نظرية أو عملية، وذلك فرع فاسد من شجرة خبيثة نمت في ظل طغيان الكنيسة على العقل الأوروبي في قرون أوروبا المظلمة، ولم يكن ذلك، كما تقدم مرارا، كائنا في ظل عدل الرسالة المحفوظة، فخروج العقل الأوروبي على الكنيسة خروج مظلوم مقهور على ظالمه، بخلاف خروج العقل العلماني في الشرق على الشريعة فهو خروج باغ ظالم.

فالفلسفة بهذا التعريف: كليات تفتقر إلى البيان، ولو ترك للأهواء ففلسفة فلان ليست كفلسفة فلان، بل لكل فلسفته الخاصة في الحياة كما يقول أهل زماننا!. ولا يصلح ذلك قانونا عاما يحكم البشر، إذ لا يفصل نزاع الفلسفات الخاصة إلا كتاب منزل.

فذلك مما اختصت به النبوات التي حررت محال النزاع في كل أمور الديانات: علوما وأعمالا، أخبارا وأحكاما، ثم قضت فيها بالحق يقينا بلا شك.

ومن تعريفات الفلسفة أيضا:

"التشبه بأفعال الله تعالى بقدر طاقة الإنسان".

قال الجرجاني، رحمه الله، في "التعريفات":

"الفلسفة: التشبه بالإله بحسب الطاقة البشرية لتحصيل السعادة الأبدية، كما أمر الصادق، صلى الله عليه وسلم، في قوله: "تخلقوا بأخلاق الله"، أي تشبهوا به في الإحاطة بالمعلومات والتجرد عن الجسمانيات". اهـ

فهو أمر استند بعض الفلاسفة الإسلاميين في تقريره إلى حديث موضوع نصه: "تخلقوا بأخلاق الله"، فطردوا الأمر في كل صفات الله، عز وجل، مع كونهم نفاة لصفات الباري، عز وجل، فهو عندهم وجود مطلق بشرط الإطلاق وهو أمر عدمي لا وجود له إلا في الذهن فلا ينفك موجود خارجه عن وصف يميزه عن بقية الموجودات، ولله، المثل الأعلى، فإن له من الصفات العلية ما باين به سائر الكائنات العلوية والسفلية.

يقول شارح الطحاوية ابن أبي العز رحمه الله:

" وَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ: أَنَّ مِنْ غُلَاةِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ الَّذِينَ يَسْتَدِلُّونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ أو الْأَسْمَاءِ، وَيَقُولُونَ: وَاجِبُ الْوُجُودِ لَا يَكُونُ كَذَا وَلَا يَكُونُ كَذَا - ثُمَّ يَقُولُونَ: أَصْلُ الْفَلْسَفَةِ هِيَ التَّشبيهُ بِالْإِلَهِ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا غَايَةَ الْحِكْمَةِ وَنِهَايَةَ الْكَمَالِ الْإِنْسَانِيِّ، وَيُوَافِقُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ يُطْلِقُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ، وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ اللَّهِ»، فَإِذَا كَانُوا يَنْفُونَ الصِّفَاتِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَتَخَلَّقُ الْعَبْدُ عَلَى زَعْمِهِمْ؟! ". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير