تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 12 - 2009, 09:53 ص]ـ

ومن مسائل هذا البحث:

مسألة الترجمة فهي إحدى روافد المعرفة للعقل المسلم:

فقد بدأت الترجمة في عهد الدولة الأموية، إذ كان العرب بحكم نشأتهم أمة فقيرة من الصناعات الحضرية فكان نشاطهم الإنساني يتوزع بين التجارة والزراعة والرعي، وتلك صناعات لا تحتاج إلى مدونات علمية دقيقة، فليست علوما كونية دقيقة كعلم الكيمياء والفلك والطب ........... إلخ.

ولم يجد المسلمون غضاضة في نقل التراتيب الإدارية من الأمم الأخرى التي سبقتها إلى ذلك، فليس ذلك مما عني الوحي بتقريره، فهو كسائر المصالح المرسلة، لم يشهد لها الشارع، عز وجل، باعتبار أو إلغاء، فينظر فيها إلى المصلحة العامة في ضوء الكليات العامة للشريعة، فتدور معها وجودا أو عدما، وذلك أمر اعتنى به فقهاء الملة حتى صار بنفسه: أصلا من أصول الأحكام، كما عند المالكية، رحمهم الله، ويقاربهم الحنابلة، رحمهم الله، في اعتبار المصلحة المرسلة وإن كانوا دونهم.

وكان عمر، رضي الله عنه، كما روى ابن سعد رحمه الله في الطبقات، أول من دون الدواوين لتوزيع الأَعطيةَ، جمع عطية، من الفيء.

وهو نظام فارسي متقدم يشبه إلى حد كبير نظام السجل المدني المعاصر.

ففي غير الشرعيات: من طبيعيات وإداريات ......... إلخ لم يحجر الإسلام واسعا، طالما وافق المنقول عن الأمم الأخرى كليات الشريعة فلم يصادم أحدها، فالطب، على سبيل المثال، مشروع، ما لم يكن التداوي بمحرم، على تفصيل في ذلك، فتلك كلية جامعة لعلم الطب، لم ينظر فيها الشارع، عز وجل، إلى آحاد العقاقير ليفصل القول في خصائصها واستعمالاتها وأعراضها الجانبية ...... إلخ فذلك من العلوم الطبيعية، ومن علم الصيدلة وصناعة الدواء تحديدا، وهو علم تجريبي يستقل العقل بإدراكه بالنظر في خصائص العقاقير ورصد نتائج التجارب التي يخضع لها الدواء قبل طرحه في الأسواق، واستقرائها لمعرفة فاعلية الدواء .......... وليس ذلك محل النزاع الذي نزل الوحي لتحريره والفصل فيه، فالوحي إنما نزل، كما تقدم في أكثر من موضع، لتقرير مسائل الإلهيات والحكميات، فاستوفى الجانب العلمي والعملي للديانة، وأشار إلى العلوم الكونية إشارة مجملة في معرض التحدي والإعجاز والدعوة إلى التدبر والنظر في الآيات الكونية. فالشريعة قد استوفت الأصول والفروع الدينية بما نصت عليه تصريحا، أو أشارت إليه تلميحا بذكر نظيره، أو تقرير كلية جامعة يندرج تحتها فيصبح عمل الفقيه رد الفرع الحادث، أو النازلة كما يقول الفقهاء، إلى أصله، أو إدراج الجزئي في الكلي الجامع.

ولذلك لم تلق حركة الترجمة في بدايتها معارضة شرعية، فبدأ خالد بن يزيد بن معاوية، رحمه الله، وكان معدودا من العلماء وله مناظرة معروفة مع بعض قساوسة النصارى ظهر فيها قياسه العقلي الصريح في الاستدلال لصحة الخبر بعد ثبوته وهذا كما تقدم مرارا عمل العقل الأصيل في هذا الباب الجليل فهو التالي لنص الوحي فلا يتقدم عليه ولا يزاحمه، بدأ، رحمه الله، بترجمة كتب الكيمياء، وجاء بعده عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، وهو من كبار علماء هذه الأمة، فبث علم ماسرجويه الطبي في الناس بعد أن استخار الله، عز وجل، أربعين يوما، خشية أن ينشغل به المسلمون عن العلوم الشرعية التي كانت لها الصدارة في كل عصور الريادة، حتى في العصور التي ازدهرت فيها العلوم التجريبية، فكان أغلب النابغين فيها من المترسمين برسم الشريعة بخلاف الازدواجية العلمية التي عانت منها أوروبا بعد الثورة العلمانية على الكنيسة فصار علم اللاهوت النظري في واد وعلوم الطبيعة التجريبية في واد آخر وقد صارت هي الرائدة بعد سقوط اللاهوت في درك الخرافة الدينية والطبيعية فقد فرض على العقل الأوروبي خرافات بل محالات ذاتية وهي الازدواجية التي يعاني منها العالم الإسلامي في عصوره المتأخرة لما ركد البحث العلمي ومال المتأخرون إلى التقليد دون إحياء وتجديد حقيقي لعلوم الإسلام الشرعية والطبيعية فالركود قد أصاب كليهما وهو ما أغرى العلمانيين بنقل التجربة الأوروبية بحذافيرها مع اختلاف الحالين وأغرى دعاة التجديد على غير هدى القرون المفضلة بتوسيع دائرة الاجتهاد إلى حد الانفلات بزعم بعث روح الشريعة من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير