تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مرقدها، واستمر الأمر زمن أبي جعفر المنصور، رحمه الله، الذي اهتم بعلوم الطب والفلك، وسار هارون الرشيد، رحمه الله، على دربه في ترجمة الكتب الطبية النافعة، وفي عهده بدأت ترجمة كتب الحكمة الفارسية فكان لأسرة آل برمك، وهي أسرة فارسية الأصل، اتهمت بالشعوبية ومحالة إحياء من اندثر من رسوم حضارة فارس الوثنية، كان لهم دور بارز في ترجمة تلك الكتب التي كان النظر فيها والولع بمقرراتها بذرة فتنة خلق القرآن، فتأثر أصول المعتزلة بالفلسفات الأجنبية ظاهر لمن تأمله، فإن نفي الصفات فرع عن نفي الفلاسفة صفات واجب الوجود الذي جعلوه وجودا مطلقا بشرط الإطلاق فلم يثبتوا إلا ذاتا بسيطة تعلم الكليات دون الجزئيات، وذلك ذريعة إلى نفي العلم الأول، كما قال القدرية الأوائل، والمعتزلة ممن حمل عنهم نفي القدر وإن لم ينفوا العلم الأول فنفوا الكتابة وما بعدها من مراتب القدر: المشيئة والخلق، فضلا عن تأثرهم بمقالة النصارى في نفي القدر ومفهوم الكلمة التي ألزمهم فيها النصارى نفيَ اتصاف الرب، جل وعلا، بصفة الكلام فرارا من تعدد القدماء، وهو ما طردوه في بقية الصفات الإلهية، ومقالة المنزلة بين المنزلتين التي تأثروا فيها بمقالة الفلاسفة في "الوسط الذهبي" ............. إلخ.

وبعد الرشيد جاء المأمون، غفر الله له، وكان تأثره بأخواله من الفرس باعثا له على التوسع في حركة الترجمة مع سعة علمه ونهمته في المعرفة التي حملته على فتح باب الترجمة على مصراعيه بلا ضابط شرعي فصار ذلك باعثا لكثير من العلماء لترجمة كتب الأوائل فالناس على دين ملوكهم!. وكان ذلك الميدان الفكري المفتوح فرصة سانحة للأمم التي قهرها الإسلام بوحيه وسيفه، لكي تدس فيه مادة فساد تنتقم بها منه، لتتحقق سنة الرب، جل وعلا، الكونية في وقوع التدافع بين الحق والباطل، فقد حمل لواء كلٍ فئامٌ من هذه الأمة فتولى كبر الفتنة ابن أبي دؤاد، وتولى كبر إبطالها أحمد بن حنبل، رحمه الله، ولكل زمان ابن أبي دؤاد وابن حنبل، (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ).

ومن نصائح أحد أحبار النصارى للملك الذي راسله المأمون ليجهز له كتب الأوائل: "جهّزها إليهم، فما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت بين علمائها".

ومن مأثور كلام المأمون في هذا الشأن قوله عن كتاب إقليدس في الهندسة: "من لم يقرأ كتاب إقليدس في الهندسة لا يعد مهندسا ألبتة ..... لأنه أصل الهندسة وهو للهندسة بمثابة حروف الأبجدية للكتابة".

نقلا عن "أصالة التفكير الفلسفي في الإسلام"، ص75، 76.

ويقول ابن حزم، رحمه الله، في رسالة "التوقيف على شارع النجاة" في معرض بيان علوم الأوائل:

" ...... وعلم المساحة التي تكلم فيها جامع كتاب إقليدس ومن نهج نهجه، وهو علم حسن برهاني، وأصله معرفة نسبة الخطوط والأشكال بعضها من بعض، ومعرفة ذلك في شيئين: أحدهما فهم صفة هيئة الأفلاك والأرض، والثاني في رفع الأثقال والبناء وقسمة الأرضين ونحو ذلك. إلا أن هذا القسم منفعته في الدنيا فقط. وقد قلنا إن ما لا نفع له إلا في الدنيا فمنفعته قليلة لسرعة انقطاعها، ولأنه قد يبقى المرء في دنياه - طول مدته فيها - عارياً من هذين العلمين، ولا يعظم ضرره بجهلهما لا في عاجل ولا في آجل". اهـ

فتوفر الهمم لدراسة هذه العلوم أمر إيجابي، إذ علوم الهندسة من العلوم الطبيعية النافعة فلا ضير في حملها عمن برع فيها كغالب العلوم الطبيعية في العصر الحديث فإن المسلمين بحاجة إلى نقل كثبر منها إلى بلادهم لمعالجة ما تعانيه مجتمعاتهم من تخلف مدني وتكنولوجي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير