تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الموضع أن المسلمين الأوائل مع كونهم أمة أمية لا عهد لها بدقائق العلوم والصنائع، إلا أنهم كانوا أصحاب ملكات عقلية واسعة مكنتهم من استيعاب سائر العلوم التجريبية مع ما أضافوه إليها من تقريراتهم التي بنى عليها من جاء بعدهم، فلم يكن الوحي عقبة في طريقهم بل قد ألزمهم النظر في سائر الآيات الكونية تقريرا لقضية الألوهية، فتكامل الشرع والكون على نحو لم تعهده الأمم الأخرى.

وقد بالغ بعض الباحثين على غير سنن الإنصاف، فزعم أن المسلمين لم يكونوا إلا أوعية حفظت التراث اليوناني، ثم نقلته إلى الحضارة الأوروبية المعاصرة فليسوا سوى وسيط ناقل ترجم كتب اليونان واختزنها حتى جاء الأوروبي المعاصر ليسترد الأمانة كما هي بلا زيادة أو نقصان!، فلم يكن للمسلمين أي دور بالنقد أو الزيادة وإنما كانوا على رسم التقليد المحض كحال متأخري المذاهب الفقهية الذين يعنون بحفظ الفروع وترديد أحكامها بلا سبر لعللها ولا عناية بمعرفة أدلتها، وإنما استظهار محض وكأن فروع الأئمة وحي متلو وذلك في مقابل طرف آخر أهدر هذه الثروة الفقهية بالكلية فغلا في الجانب الآخر ودعا إلى النظر مباشرة في نصوص الوحي دون الاستعانة بجهود الأئمة الأعلام وذلك مظنة الخطأ في كثير من المواضع لفقد المستدل أدوات البحث التي تستثمر بها الأحكام من الأدلة وتلك لا يتقنها إلا من عكف على تركة المتقدمين من الفقه وأصوله.

يقول أحد المؤرخين الغربيين:

"ولم يمض حين قليل حتى ظهر علماء وأساتذة مسلمون، تمثلوا الثقافة الغربية، وجعلوها جزءا لا ينفصل من ثقافة المسلمين وحضارتهم، وقد نقل كل ذلك فيما بعده إلى الغرب". وقد وصف هذه الثقافة الإسلامية بأنها كانت تمثل الغذاء الأول للعلماء المسيحيين في القرون الوسطى وبأنها تمثل: "لباب الثقافة في أوروبا".

"أصالة التفكير الفلسفي في الإسلام"، ص94.

فتمثل المسلمين للثقافة الغربية الأولى دون الإشارة إلى دورهم في الزيادة والاستدراك عليها لا سيما في العلوم الطبيعية التجريبية، هضم لحقهم، وأبحاث كثير من العلماء المحققين في هذا الميدان خير شاهد على ذلك، وإن كان كثير منهم قد زل في الإلهيات حتى خرج عن دائرة الإسلام بالكلية، والله أعلم بخاتمته، كأمثال الكندي والفارابي وابن سينا ونصير الدين الطوسي، وزير هولاكو الساعي في إزالة رسم الخلافة الإسلامية السنية في بغداد بقتل آخر خلفائها المستعصم العباسي رحمه الله، والرازي، والبيروني، ولم يؤثر عنه، كما ذكر بعض أهل العلم، ما أثر عنهم من شطط والأصل في المسلم السلامة، والزهراوي وابن البيطار، وابن جلجل، والشريف الإدريسي، وابن الصوري، وأبو العباس النباتي، وهم من رواد علم الصيدلة، وابن النفيس، وكان معدودا في طبقات الشافعية فهو من فقهاء الأديان والأبدان، وأسرة آل زهر الأندلسية الإشبيلية، وقد كان لأعمال أحد أبنائها وهو: عبد الملك أثر كبير في تطور الطب في أوروبا فيما بعد، فترجمت مؤلفاته إلى اللغة اللاتينية كـ: "التيسير في المداواة والتدبير"، وله أبحاث دقيقة في وصف التهاب الغلاف الغشائي المحيط بالقلب، وطرائق استخراج حصى الكُلية وهي تدل على مدى التقدم الطبي الذي وصل إليه المسلمون آنذاك لا سيما في الجزيرة الأندلسية المفقودة همزة الوصل بين الشرق بأنواره الساطعة والعرب بظلماته الدامسة في تلك الأعصار. فضلا عن أمثال ابن حزم، رحمه الله، وله عناية كبيرة بعلوم الطب والهندسة مع أنه من علماء الملة الراسخين، وبعده ابن تيمية رحمه الله فهو بنقده للمنطق الأرسطي وانتصاره للمنهج الاستقرائي يعد من علماء الرياضيات المحققين، وابن القيم، رحمه الله، وله عناية بعلم الطب وقد صنف في ذلك كتاب "الطب النبوي" ........... إلخ، وهي قائمة طويلة تشهد لهذه الأمة بالسبق العلمي في الطبيعيات فضلا عن تقدمها في الإلهيات بما اصطفاها الله، عز وجل، به من آخر الرسالات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير