تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من مطالعة كتبه وإن بلغت الغاية في صحة النقل ودقة الملاحظة.

بتصرف من "أصالة التفكير الفلسفي في الإسلام"، ص99، 100.

وتعدى ذلك أيضا إلى النقد الذي وصل على يد ابن تيمية، رحمه الله، إلى النقض! لمقررات الفلسفة الأرسطية النظرية، في تصنيف مستقل هو: "الرد على المنطقيين" فضلا عن أبحاثه في ثنايا مصنفاته الأخرى، فهو من أوائل العلماء الذين نصروا المنهج الاستقرائي في العلوم الطبيعية في مقابل المنهج الاستنباطي الذي قامت عليه الفلسفة اليونانية والذي اعتمدته الكنيسة الكاثوليكية قرونا طويلة فكان سببا رئيسا في تخلف أوروبا في العصور الوسطى، فلم تنهض مدنيا إلا بعد الثورة على الكنيسة ومقرراتها فتبنت مدنية أوروبا الحديثة المنهج الاستقرائي، وهو الذي سبق إليه المحققون من أمثال ابن تيمية رحمه الله أوروبا بقرون فلم يكن نقض أمثال "هيجل" لتلك الفلسفة إلا شعبة من تقريرات ابن تيمية كما أشار إلى ذلك بعض الفضلاء المعاصرين.

ثانيا: دور الخلفاء الكبير في ذلك وقد تقدمت الإشارة إلى طرف منه عند الكلام على دور المأمون في ترجمة كتب الأوائل، فقد أرسل البعثات لاستجلابها، وأنشأ بيت الحكمة لاستيعابها وأنفق بسخاء على المترجمين حتى راجت تلك المهنة في عصره.

ثالثا: المصلحة التي أغرت المترجمين ببذل الجهد الوافر في هذا الميدان، وهي دائرة بين المصلحة الشخصية النفعية إذ كان الخلفاء يغدقون عليهم العطايا والمصلحة الأعظم والأخطر وهي الكيد لمقررات الوحي بمعارضتها بمقررات الفلسفة وصرف المسلمين عن علوم الشرائع إلى علوم الأوائل التي انبهر بها أصحاب البضاعة المزجاة في علوم الملة مع كونهم أصحاب ذكاء جبلي لم يتحل بالزكاء الشرعي، و: (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)

رابعا: استيلاء المسلمين على التركة السياسية والثقافية للرومان، مع ما دب في أوصال الأمة الإسلامية بعد استقرار الفتوحات من داء الترف الذي ابتليت به سائر الأمم المنتصرة، فانصرفت همم كثير من أبنائها إلى تحصيل علوم الفلسفة فكان ذلك ترفا علميا زائدا شغل المسلمين عما هو أجدى وأنفع من سياسة الدول والنظر في العلوم الشرعية والكونية النافعة.

يقول ابن خلدون، رحمه الله، في "مقدمته":

"ثم جاء الله بالإسلام، وكان لأهله الظهور الذي لا كفاء له، وابتزوا الروم ملكهم فيما ابتزوه للأمم. وابتدأ أمرهم بالسذاجة والغفلة عن الصنائع، حتى إذا تبحبح السلطان والدولة، وأخذوا من الحضارة بالحظ الذي لم يكن لغيرهم من الأمم، وتفننوا في الصنائع والعلوم. تشوفوا إلى الاطلاع على هذه العلوم الحكمية، بما سمعوا من الأساقفة والأقسة المعاهدين بعض ذكر منها، وبما تسموا إليه أفكار الإنسان فيها. فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم، أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمة، فبعث إليه بكتاب أوقليدوس وبعض كتب الطبيعيات. فقرأها المسلمون واطلعوا على ما فيها، وازدادوا حرصاً على الظفر بما بقي منها وجاء المأمون بعد ذلك، وكانت له في العلم رغبة بما كان ينتحله، فانبعث لهذه العلوم حرصاً، وأوفد الرسل على ملوك الروم في استخراج علوم اليونانيين وانتساخها بالخط العربي. وبعث المترجمين لذلك، فأوعى منه واستوعب. وعكف عليها النظار من أهل الإسلام وحذقوا في فنونها، وانتهت إلى الغاية أنظارهم فيها. وخالفوا كثيراً من آراء المعلم الأول، واختصوه بالرد والقبول، لوقوف الشهرة عنه. ودونوا في ذلك الدواوين، وأربوا على من تقدمهم في هذه العلوم. وكان من أكابرهم في الملة أبو نصر الفارابي، وأبو علي بن سينا بالمشرق، والقاضي أبو الوليد ابن رشد، والوزير أبو بكر بن الصائني بالأندلس، إلى آخرين بلغوا الغاية في هذه العلوم. واختص هؤلاء بالشهرة والذكر، واقتصر كثيرون على انتحال التعاليم، وما ينضاف إليها من علوم النجامة والسحر والطلسمات. ووقفت الشهرة في هذا المنتحل على جابر بن حيان من أهل المشرق وعلى مسلمة بن أحمد المجريطي، من أهل الأندلس وتلميذه. ودخل على الملة من هذه العلوم وأهلها داخلة، واستهوت الكثير من الناس بما جنحوا إليها وقلدوا آراءها، والذنب في ذلك لمن ارتكبه. ولو شاء ربك ما فعلوه". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير