تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد سموا بالمشائية، لأن أرسطو كان يطيب له إلقاء الدرس حال المشي، وقال بعض الفضلاء المعاصرين بأن المشائين المسلمين سموا بذلك لأنهم مشوا على طريقة اليونان في الفكر الفلسفي فمشائية أرسطو الذي خالف أفلاطون في كثير من مثله الكلية التجريدية إذ نزعت فلسفته إلى شيء من الواقعية والتجريبية، تلك المشائية هي معدن المشائية الإسكندرانية التي تميزت بالجمع بين مقررات أرسطو وأفلاطون، ثم جاءت المشائية العربية، فاضطلعت بالتوفيق بين الفلاسفة عموما، وبين الفلسفة والدين خصوصا، وقد كان لهذا الجمع المتعسف أثر سيئ على مقررات الرسالة إذ قد وفق، وإن شئت الدقة فقل: لفق بين علومها وهي وحي إلهي، ومقررات عقول البشر وهي نظر محض يحتمل الصواب والخطأ، فكيف ومعظم ما خاضوا فيه من الإلهيات قد أخطئوا فيه، وذلك أمر غير مستغرب، إذ الإلهيات من الخبريات الغيبية التي لا يتلقى علمها إلا من السمع الصحيح، والقوم أبعد الناس عن النبوات، فليس لهم في نقلها الصحيح قليل أو كثير، وكان ابن سينا أعظم القوم ولوجا في هذا المزج بين متباينين غير متجانسين بل هما أبعد ما يكون عن التمازج فألبس معاني أرسطو، كما تقدم في مواضع سابقة، ثيابا شرعية قرآنية، فالملائكة هي العقول الفعالة التي أبدعت الكون، والعقل الأول وهو عقل بسيط لا يتصف إلا بصفة العلم هو الذي أبدع ما دونه من العقول والأفلاك، فقوله من جنس قول نفاة الصفات فضلا عن قوله بقدم العالم، فذات الرب، جل وعلا، التي نفى عنها صفات الكمال الفاعلة هي علة صدور العالم، والعلة عنده تقارن المعلول، فالعالم الصادر عنها مقارن لها، وكل ذلك محض تخرص حمله عن الفارابي فجل حكمته من حكمة الفارابي الذي كان أحد منظري الإسلاميين للفلسفة المشائية حتى لقب بـ: المعلم الثاني، وتأثره بما عربه من حكمة الأوائل مع قلة بضاعته من العلوم الإسلامية أمر ظاهر في مصنفات كـ: "آراء أهل المدينة الفاضلة" فقد تأثر فيه تأثرا واضحا بجمهورية أفلاطون، فأعلام المشائية الإسلامية قد ترجموا مصنفات الأوائل دون أن يكون لهم دور تجديدي نقدي، وإن كان لهم دور في تهذيبها وتقريبها إلى الأديان فانتفع بها غير المسلمين نوع انتفاع لا يعدل ما جلبته من مفاسد على العقل المسلم إذ ضر كثيرا من المسلمين ممن لم ترسخ أقدامهم في علوم الملة ما وجدوه في تلك المترجمات، فلم تكن نظرتهم إجمالا: نظرة نقدية كنظرة ابن تيمية، رحمه الله، في "الرد على المنطقيين"، ونظرة من تأثر بمنهجه من رواد أوروبا الذين جابهوا طغيان الكنيسة الديني، بطغيان الفكر العلماني الناشئ على أنقاضها، وقد كانت مقررات المشائية اللاتينية الطور الرابع للمشائية: أحد مقررات الكنيسة الكاثوليكية، ولعلها كانت سببا رئيسا في إعاقة العقل الأوروبي في قرونه المظلمة لاعتمادها فلسفة أرسطو الاستنباطية دون التفات إلى مناهج البحث التجريبي التي توصل المسلمون إليها قبل نهضة أوروبا الحديثة بقرون طويلة، فيعد عمل الفلاسفة الإسلاميين إجمالا: الترجمة على يد الفارابي ومن سبقه من رواد الترجمة الأوائل، والتهذيب على يد ابن سينا الذي قربها إلى الأديان بإلباسها ثياب زور شرعية، وإلى طرف من ذلك أشار ابن تيمية، رحمه الله، في "الرد على المنطقيين" بقوله:

"وابن سينا لما عرف شيئا من دين المسلمين وكان قد تلقى ما تلقاه عن الملاحدة وعمن هو خير منهم من المعتزلة والرافضة أراد أن يجمع بين ما عرفه بعقله من هؤلاء وبين ما أخذه من سلفه فتكلم في الفلسفة بكلام مركب من كلام سلفه ومما أحدثه مثل كلامه في النبوات وأسرار الآيات والمنامات بل وكلامه في بعض الطبيعيات والمنطقيات وكلامه في واجب الوجود ونحو ذلك.

وإلا فأرسطو وأتباعه ليس في كلامهم ذكر واجب الوجود ولا شيء من الأحكام التي لواجب الوجود وإنما يذكرون العلة الأولى ويثبتونه من حيث هو علة غائية للحركة الفلكية يتحرك الفلك للتشبه به.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير