تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي ذلك يقول "سيديو" في كتاب "تاريخ العرب": إن ما يميز مدرسة بغداد عن سواها: الروح العلمية التي سادت أعمالها، وذلك المضي من المعلوم إلى المجهول، وملاحظة الظواهر بدقة لاستخلاص الأسباب من النتائج، وكذلك عدم قبول الأشياء إلا ما كان منها ثابتا بالتجربة، وكان العرب في القرن التاسع قد أصبحوا يملكون ذلك المنهج الخصيب الذي كتب له بعد ذلك بزمن طويل أن يكون ذا فعالية في إحداث اكتشافاتهم العظيمة.

ويؤكد المستشرق "جيب" هذه الشهادة بقوله: استطاع العلماء المسلمون، بتركيز أفكارهم على الحوادث الفردية، أن يطوروا المنهج العلمي إلى أبعد مما ذهب إليه أسلافهم في الإسكندرية أو اليونان، وإليهم يرجع الفضل في استخدام أو إعادة المنهج العلمي إلى أوروبا". اهـ

بتصرف من: "أصالة التفكير الفلسفي في الإسلام"، ص148، 149.

ويمكن القول بأن الأصح أن يقال بأن إليهم يرجع الفضل في ابتكار المنهج التجريبي الاستقرائي ونقض المنهج النظري الاستنباطي، فلم يكن هذا المنهج موجودا في أوروبا إلا على استحياء في فلسفة أرسطو الذي اهتم بالتجريبيات نوعا ما وإن لم يخرج من إطار النظر المجرد كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

ولن يعدم الناظر في كلام الأوروبيين حقا وإن كان معظمه باطلا أملته عقول متعصبة لا تعرف عالما غير العالم الغربي، ولا تعرف نمطا غير نمط الحياة الغربية فهي تسير عليه وتفرضه على غيرها ولو برسم السيف القاهر، كما هو مشاهد في الغزوة الفكرية العسكرية الأوروبية المعاصرة على الشرق المسلم.

مع التوكيد على أن كل تلك المنجزات العلمية التجريبة ما هي إلا نافلة أداها العقل المسلم بعد أداء الفريضة التي تلقى صفتها من النبوة الخاتمة، فكل خير حصله إنما هو فرع عن تلك النعمة العظمى التي لها ينتصر المسلم ابتداء فلا يقدم عليها عقلا أو بحثا، وإنما تأتي نتائج العقول والأبحاث تالية لها، إذ علومها، كما تقدم مرارا، علوم محكمة لا تقبل المعارضة، بخلاف العلوم التجريبية فإنها تقبل الأخذ والرد والتعديل تبعا لجودة البحث خطةً ووسائلَ.

والله أعلى أعلم.

عذرا عما يقع من تكرار في بعض المواضع فقد يسر لي الباري، عز وجل، تلخيص هذه الفوائد على فترات متباعدة.

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 12 - 2009, 08:52 ص]ـ

مظاهر تأثر العقل الأوروبي بالعلوم الإسلامية:

لا ينكر منصف ما أثر به العقل المسلم في ميدان البحث العلمي الحديث الذي يتسم بالنظر والتأمل في أسباب الكون لاستكشاف السنن والقوانين التي تجري على وفقها الحوادث، فينتفع بذلك في تحصيل المنفعة الكونية، وذلك قدر مشترك بين كل العقلاء، فإن النفس قد جبلت على تحصيل ما ينفعها ودفع ما يضرها، وإنما يكون التفاوت في معرفة الضار والنافع تبعا للتفاوت في التصور، فقد يصح التصور فيدرك العقل الأمور على حقيقتها، وقد يفسد فلا يدرك ذلك، فيقدم الضار على النافع للذة عارضة لا تعدل ما يتولد عن مباشرة الضار من الآلام، وهذا هو القدر الفارق بين العقل المسلم والعقل الأوروبي، فكلاهما: عقل حي حساس متحرك لتحصيل العلوم سواء أكانت إلهية أم كونية، فالإنسان قد جبل على حب المعرفة، أيا كان نوعها، وأيا كان غرضها، فهي التي تشكل وجدانه، وتحرر ولاءاته، فيحب ويبغض على وفقها، ولا يستوي وجدان شكله الوحي وصقلته النبوة بما جاءت به من صحيح العلوم الإلهية وصريح الأقيسة العقلية، فقد كفته البحث في القضية المصيرية الأولى: قضية الوجود التي يبحثها الفلاسفة بحثا عقليا تجريديا بمعزل عن النبوات، إذ هم كما تقدم، أفقر الناس منها، وأزهد الناس فيها، فلا هي بين أيديهم متداولة، ولا هم يسارعون في تحصيلها كأي باحث عن الحق في تلك المسائل المصيرية الغيبية التي لا تتلقى إلا من الوحي المعصوم، فالخوض فيها بأقيسة العقل بمعزل عن النقل مظنة الاغترار بالقوى العقلية المجردة، فلا يستوي وجدان شكله النقل فمنه يستمد المعلوم الصحيح الذي يوافق المعقول الصريح، ووجدان شكله المعقول الأرضي المغتر بما عنده من العلم على حد قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)، فجاءتهم الرسل عليهم السلام بإلهيات محققة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير