"لقد اندفع تيار أهوج فى كل القنوات الفكرية والعلمية فى أوروبا تيار يريد أن يجرف كل شيء اسمه دين أو له علاقة بهذا الاسم ويطمس كل موحى من موحياته ويمحو كل آثر من آثاره وكانت غاية من يسمون (أحرار الفكر!) هو الدفع بهذا التيار إلى الأمام ما أمكن وبسرعة أقصى.
لا لأن ذلك ما يمليه ((المنهج العلمى)) ((وحرية الفكر)) ولا لأنه مقتضى النظر الموضوعى المتسم بالتعقل والتروي بل لأنه نتيجة رد الفعل المتهور ضد الكنيسة الذي لا تكاد حدته تخف حتى تلهبها آثار سياط الكنيسة فى ظهورهم.
وكما عرف الناس ورأوا واقع ما قاله (كويت) من (أن كل خطوة إلى الأمام فى البحث عن المعرفة قد حوربت باسم الدين) فقد بدا لهم مصداق ما قاله ((ألفرد هوايت هد)):
((ما من مسألة ناقض العلم فيها الدين إلا وكان الصواب بجانب العلم والخطأ حليف الدين)).
وما لهم لا يصدقون بذلك وقد رأوا بأم أعينهم سلسلة الهزائم المتلاحقة التى منيت بها الكنيسة أمام العلم يضاف إلى ذلك طغيانها البغيض الذى يقابل المنجزات العلمية والتيسيرات المذهلة التى حققها العلم فى وسائل الحياة:
قالت الكنيسة:
إن الأرض مسطحة وهى مركز الكون – لأجل عملية الخلاص – وقال كوبرنيق: إنها كروية وتدور حول الشمس وثبت لهم أن الكنيسة كاذبة والعلم مصيب!.
وقالت الكنيسة:
إن الكون والإنسان خلقا فى ستة أيام عادية سنة 4004 ق. م وقال: ((ليل وداروين)): إن عمر الكون يقدر بمئات الملايين من السنين والإنسان بالملايين وثبت أنهما على حق وأن الكنيسة مبطلة. (وإن لم يريدوا بهذا الحق إلا إبطال دين الكنيسة خصوصا وهذا حق أيضا، والدين عموما وهذا عين الباطل ولكنها العقلية التي لا زالت تحبو بعد أن نسيت معنى الحركة في ظل قيد الكنيسة القاهر فجاءت حركتها كحركة الطفل الصغير: خبط عشواء تحطم كل ما تلاقيه إذ لا تعرف قيمته)
وقالت الكنيسة:
إن 1+1+1 = 1 وأثبتت بديهيات الرياضة أن مجموع ذلك = 3 وقالت الكنيسة – تبعاً لأرسطو – أن الكون مكون من أربعة عناصر وقال العلم أن عناصره تزيد عن التسعين وصدق العلم وكذبت الكنيسة.
(والعناصر قد زادت في زماننا في الجدول الدوري المعاصر وربما زادت بمرور الوقت تبعا لمشيئة الرب، جل وعلا، بأن تتطور وسائل البحث وتنضج العقول في ميدان البحث التجريبي أكثر فأكثر، لأن العقل مع إدراكه لظواهر الكون لم يستطع حتى الآن إدراك حقائق الأعيان المشهودة على وجه الدقة فلا زال يكتشف كل يوم من أسرارها الجديد، ولعل خريطة: "الجينوم" البشري خير شاهد على ذلك فهي خطوة على طريق لا ينتهي من الأسرار الكونية التي تحدى بها الرب، جل وعلا، عباده: "سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"، ومع ذلك خاض ذلك العقل المسكين بقياسه القاصر المحدود في باب الإلهيات إرادة إدراك حقيقة الرب، جل وعلا، على حد التكييف لا إدراك المعاني الإلهية التي جاء بها التنزيل، مع أنه عاجز حتى عن إدراك حقيقة الإنسان بكل ما يحويه من أسرار نفسانية وعضوية!).
وقالت الكنيسة:
إن التوارة والإنجيل والرسائل كتب موحاة من الله. وقال النقاد التاريخيون: إنها من صنع مؤلفين غير موضوعيين وظهر أنهم على صواب فيما قالوا.
وقالت الكنيسة:
إن الخبز والخمر في العشاء الرباني يتحولان إلى دم وجسد المسيح حقيقة، وقال العلم والعقل والبديهية: ذلك أبعد المحال. (فلجئوا كالعادة إلى التأويل فكلها رموز من جنس رموز "نشيد الإنشاد" الفاضح: لا تدركها النفوس الأرضية الكثيفة فلا يدرك كنهها إلا آباء الكنيسة ذوي النفوس الملكوتية!).
وقالت الكنيسة:
¥