تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الرهبانية وسيلة للطهر وفضيلة سامية وقالت علوم النفس والاجتماع إنها تصادم الطبيعة وتفضي بالجنس البشرى إلى الهلاك المحقق. (فضلا عن مخازي الرهبان والراهبات في الأديرة التي صارت حانات وعلب ليل، كرد فعل طبيعي لأي كبت للفطرة السوية، فالأمر لم يكن سوى رد فعل متطرف في الزهد والتجرد لفعل آخر متطرف على الجهة المقابلة انكب أصحابه على الشهوات الحسية، وسرعان ما غلبت الأولين نفوسهم وما جبلوا عليه من الغرائز التي عطلوها فوقعوا في جنس ما كانوا ينكرون على أممهم الوقوع فيه، وذلك أمر مطرد في كل الأمم تقريبا: شهوات فزهد مؤقت فشهوات ربما تفوق الأولى مجونا وخلاعة فضلا عن ممارسة البعض لها برسم الديانة!).

وقالت الكنيسة:

إن المرض من الشياطين يمكن مداواته بإقامة القداس والتمسح بالصلبان. وقال الطب إن سبب المرض كائنات بالغة الدقة يمكن إفناؤها بالمستحضرات الكيماوية، وأخفقت الكنيسة في حين نجح العلم وأثبت جدواه.

وهذه سلسلة طويلة محزنة فى مقدور الرجل العادي أن يستعرضها ليخرج بنتيجة حاسمة هي أن: العلم دائماً على صواب وأن الدين على خطأ باستمرار. لاسيما وأن الكنيسة قد علمته أنه ليس ثمة شيء يستحق أن يسمى ديناً إلا تعاليمها المقدسة وإزاء ذلك بدا من المنطقي جداً أن تتعالى أصوات الناقمين من العلماء وسواهم: ليتحرر العلم من قيود الدين ولتذهب تعاليم الدين إلى الجحيم.

(ولو بدأت في أولها مستترة بستار ديني فهدف أصحابها تجديد الدين ليواكب مستجدات العصر!، وذلك، كما تقدم، أمر متصور بل لازم إذا كان الدين محرفا يحارب العقل لا محفوظا يزكي العقل ويؤيده ويحثه عن مزاولة ما تقدم ذكره من دور فعال في الدين والدنيا معا دون تجاوز للخطوط الحمراء من الإلهيات والشرائع وهي الخطوط التي اقتحمها المتكلمون في أصول الدين برسم فلسفة أرسطو قديما والعلمانيون المعاصرون في باب الشرائع بما استوردوه من الشرائع الأرضية الوضعية).

العلم هو وحده الحق والحكم وهو مصدر النور كما أنه منبع الرفاهية أما الدين فجمود ورجعية وخرافات وأساطير. وإذا عرضت مسألة فليخرس الدين ولينطلق العلم!.

ليبحث العلماء ويستخرجوا قوانين الطبيعة وأسرار الكون فى الهواء الطلق بعيداً عن الدين!.

الدين شيء والعلم شيء آخر لا علاقة بينها إلا التضاد. وإذا كان لا بد من إخضاع أحدهما للآخر فليخضع الدين ولتطبق كل حقائق الدين كالوحي والمعجزات والروح والخلود داخل المعامل والمختبرات وإلا فلتسقط إلى الأبد! ". اهـ

بتصرف من "العلمانية"، ص329_331.

وهو التناقض الذي سلم منه الوحي الإلهي المعصوم إذ لا تعارض، كما تقدم مرارا، بين النقل المعصوم والعقل المخلوق، فالباري، عز وجل، حكيم رحيم فلا يخلق لنا عقولا مستقيمة ثم يكلفنا بانتحال مقالات مستحيلة!.

ولذلك رفض كثير من أئمة المسلمين المحققين من أمثال ابن تيمية والشاطبي، رحمهما الله، تحديدا، إرجاع كل العلوم الكونية إلى الوحي على حد التفصيل إذ ذلك، كما تقدم، مخرج للوحي عن دائرة اختصاصه، بل الصحيح أنه قد أشار إلى أصولها إشارات مجملة، أشار إليها السيوطي، رحمه الله، في بحث لطيف من أبحاث كتابه: "الإتقان"، تاركا التفصيل للعقل، وتلك قسمة العدل بين الوحي الذي يستأثر بتقرير الغيبيات والشرعيات، والعقل الذي يستأثر بتقرير الكونيات، وهو مع ذلك لا يستقل بالسلطان في مباشرة أسبابها، بل للوحي السلطان عليه برسم التكليف الشرعي، ولذلك تتفاوت أحوال الخلق في استعمال أسباب الكون تبعا لتفاوتهم في أداء وظيفة العبودية الاختيارية، فيكون السبب في يد مؤمن بار: مادة صلاح، ويكون نفس السبب الذي اكتشف العقل قواه الطبيعية والميكانيكية، يكون في يد كافر فاجر: مادة فساد، فتفاوت الناس في تعاطي أسباب الكون فرع عن تفاوتهم في تعاطي أسباب الشرع.

ويقول البيروني في موضع آخر:

"وإلى التجربة يلتجأ في مثل هذه الأشياء، وعلى الامتحان فيها يعول".

ويقول جابر بن حيان: "ومن كان دربا كان عالما حقا، ومن لم يكن دربا لم يكن عالما، وحسبك بالدربة في في جميع الصنايع أن الصانع الدرب يحذق، وغير الدرب يعطل".

ويقول: "وملاك كمال هذه الصنعة: العمل والتجربة، فمن لم يعمل ولم يجرب لم يظفر بشيء أبدا".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير